كبرت واكتشفت أنه لا يوجد ما نسميه صدفة في هذه الحياة، بل هو إسم نطلقه عادةً عندما يستعصي علينا تفسير أمور تحدث معنا ولا نجد لها جواب.
كبرت و تعلمت أن في بعض الأحيان يتعذر علينا معرفة الحقيقة، لأن العقل البشري غير جاهز لإدراكها حين وقوعها، و لأن القلب عنيد وسيفسرها كما يحلو له.
نضجت و عرفت بأن جميع ما يمر بنا و نحسبه عارضاً ماهو إلا قدرٌ مكتوب في لوحنا، له غاية يحققها على الصعيد الشخصي فينا، إما بتطوير الشخصية و الطباع، تغيير مفهوم مسلم به لدينا، فتح آفاق جديدة لم نعهدها من قبل أو ليعلمنا عبرة بغية عدم تكرار أخطاء وقعنا فيها سابقاً.
أخطأت كثيراً و تألمت، ظهر البعض في طريقي فنسيت بهم الألم و علمت حينها بأن ماذكرته سابقاً ينطبق أيضاً على كل شخص دخل حياتي أو بالعكس .. اقتحموا حياتي مرهقون جدا تعيسون مثقلون بألم ذكرياتهم المشبعة بأوجاع أحنت ظهورهم لأنها مطعونه بسهام الغدر .. وما أن ترسوا زوارقهم على شاطيء قلبي، حتى يجدوا فيه البلسم الشافي و الحضن الدافىء، و بعدها تشفى جراحهم و يطيب خاطرهم و تترتب مشاعرهم ثم يخرجون من حياتي، هكذا كنت لفترةٍ طويلة، مركز إعادة تأهيل للمشاعر الميتة، للطباع السيئة أو لإعادة تصحيح مفاهيم إغتالت جراحهم معناها الحقيقي.
و دائماً ينتهي الأمر بي في ظل ما جنيت، قابعة في زاوية مظلمة بين أول دمعة ذرفوها عندما رأيتهم و آخر ضحكة رسمتها على شفاههم، نعم كانوا أوفياء، لكن للأسف كانوا أوفياء للحظة ضعفهم أو للحظة الألم فقط.
بعد برهةٍ من الزمن اتضحت لي صورة ذات بعد ثلاثي، يجود علينا القدر بأشخاصٍ قد يصبح بعضهم حبيب أو صديق و آخرون يبقون مجرد عابرون جمعتنا بهم ظروف الحياة ..
و لأنها لا تستمر على وتيرة واحدة، و نوائبها لا تأتينا فرادى، قد نقع في حبهم تارةً، و قد تتعلق أرواحنا بهم تارةً أخرى، ثم يأتي وقت رحيلهم، فنضطر تحت ضغط حدث ما إلى خسارتهم لأسبابٍ تافهة، سوء تفاهم أو نتيجة خلافات جوهرية تصل إلى حد القطيعة النهائية، و كأنهم لم يدخلوا حياتنا على الإطلاق.
و الشاهد هنا، سواء حافظت أو تخليت عن أولئك الأشخاص، لن تكون حياتك خالية من بصماتٍ تركوها.. و قد تتفاجأ من تأثيرها عليك، ثانوياً كان أو أساسياً، قد يظهر في أبسط الأمور، كتخليصك من عادة سيئة أو اكتسابك مهارات عالية تجعلك أقرب الى الكمال و المثالية.
مع مرور الأيام تعلمت أن لا أشعر بالحزن لخسارة أي شخص، فقد قام بدوره في تعليمي شيئاً جديداً مهماً يؤتي ثماره في مرحلة قادمة من حياتي، وأن أغلق هذه الصفحة بشكل كلي، و أمضي قدماً نحو مستقبلٍ أفضل و أشخاص جدد.
فوجودهم في حياتي في فترات معينة لم يكن أبداً من باب الصدفة، لكنه كان لسببٍ لم يتضح لي إلا بعد أن رحلوا.
تمر علينا الأيام، و تتوالى الأحداث، يدخل حياتنا بعض الأشخاص بإختلاف مكانتهم ثم يرحلون، لكن بصماتهم مازالت حية فينا، نراها في أوجه شخصيتنا الجديدة، في ردود أفعالنا المهجنة بما أخذناه منهم، لترسم البسمة على شفاهنا برغم ألمنا على رحيلهم..
بقلم/ غادة ناجي طنطاوي
This site is protected by wp-copyrightpro.com