بالرغم ممّا يشهدُه العَالم من تقدم علمي، وتطور تكنولوجى ، وتغييرات هائلة ومتسارعة ؛ لكنّ ذلك لم يُطور العقول ، و يُغير المفاهيم ، و يرقى بالقلوب لدى بعض سُجناء الفِكر العقيم ، المتشدقين والمتشدقات ، مُضمري سوء الظن بالناس .
يُطلقون ألسنتهم بأعراض الناس ، و يُحملونهم على أسوأ المحَامل ، ويصنفوهم حسب أهوائهم ، وعالمهم الضيق ، و قُلوبهم القاسية ، وفِكرهم الداعشي ؛ فَيُدخلون هذا الجنّة ، ويُدخلون هذه النار ، و كَأنهم يَملكون مَفاتيح الجنة والنار، والعِياذ بالله.
مَاحدث من تفجير إرهابي غَاشم بمدينة أُسطنبول التركية ليلةُ رأس السنة الميلادية ، أثناء تواجد عَائلات من مُسلمى ومسلمات بعض الدُول العربية ، ومنها السعودية لتناول طعام العشاء بالمطعم الشهير المطل على مضيق البسفور؛ أظهر لنا مرضُ بعض العقول الذين نَّصبوا أنفُسهم قُضاة ، فَعلقوا المشانق ، و أطلقوا الأحكام الظالمة على قَتلى الحادث الأليم زوراً، وبُهتانا من مُنطلق فِكرهم العَقيم ، ووعيهم المعدُوم ، وآفاقهم الضيقة ، و جَهلهم الأعمى ، مُتأولين على الله .. مُتناسينَ قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” وَيْلٌ لِلْمُتَأَلِّينَ مِنْ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ : فُلانٌ فِي الْجَنَّةِ , وَفُلانٌ فِي النَّارِ ” .
إفتراءات ، كيل إتهامات لأبرياء أصبحوا فى عَداد الموتى ، و لايملكون حق الرد .. بل لم يخجلوا بالتلفظ بألفاظ مسيئة ، وبشتائم للموتى وأهاليهم .. تعد من الجرائم الإلكترونية ، و تَضعُ قائلها تحتَ طَائلةِ قانُون مكافحة الجرائم المعلوماتية الذى وضع لردعه هو، و مَن علىَ شاكلتهِ ممن يخُوضون بأعراض البشر.
وَكان الأولى بِهم كفُ ألسنتِهم ..و الدُعاء بالرحمة للموتى ، و بالصبر لذِويهم ، و بالقِصاص ممن ارتكبوا هذا الحادث … تاركين الخلق للخالق ..
يقول سبحانه و تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم».
رحم الله الضحايا ، و ألهم ذويهم الصبر والسلوان .
الكاتبة : عبير عيد
abeereidmansou1@
This site is protected by wp-copyrightpro.com