البدايات الجديدة لها نكهة وطعم مختلف لكن ما يحدث بعد ذلك هو بيدك أن تجعله نعمة او نقمة، بيدك أن تجعل جمال البداية يمتد إلى ما لا نهاية أو تجعل له نهاية في منتصف الطريق أو قبل أن ينتصف ذلك الطريق.
فكل شخص منا يصنع بيده جمال حياته وبيده يصنع جحيم لا يطاق، علاقتك بكل شيء حولك أنت تصنعها لا أحد يصنع لك ذلك، علاقتك بالرب وعلاقتك بالحياة وعلاقتك بالعائلة والأصدقاء وحتى الأعداء كلها علاقات أنت تصنعها وأنت تديرها بنفسك.
فهناك علاقات نسمح لها بالبقاء لفترة طويلة ونتشبث بها وكأن الحياة تصبح بكامل توازنها بوجودها وهناك علاقات نكتفي أنها كانت بحياتنا لفترة طويلة أو قصيرة، وبين علاقات رحل أصحابها وعلاقات لازالوا أصحابها بحياتنا ذكريات أول لقاء هي الاجمل في تلك العلاقة.
وبين ذكريات أول لقاء ولحظات الفرح والنجاح وغيرها تستوقفنا لحظات قاسية لحظات جعلتنا مختلفين عما كنا عليه، فلحظات الفراق والحزن ورحيل من نحب تجعلنا دائما نهمس بحنين ليتنا بقينا أطفال ليتنا لمن نتقدم بالعمر وليتنا نعود لذلك الزمان الذي لا يشبه هذا الزمن في شيء، فمرحلة الطفولة كانت جميلة ولطيفة وبريئة جدا لذا نتفق عليه بالأجماع أنه الاجمل.
والحقيقة التي تغيب عن الاغلب أن السر ليس بالزمن الذي مضى أو القادم أو الحالي، بل السر أننا كنا أطفال لم تشوهنا الحياة ولم تمسنا شائبة من شوائب الزمن ولم نكتسب من الحياة جراح ولم تخط التجارب على ملامحنا خطوط لتجعلنا أكبر وأخبر.
فتلك الانهزامات والانكسارات اللا متناهية التي صادفتنا بهذه الحياة هي ما جعلتنا ما نحن عليه اليوم وإن أمعنا النظر وتوقفنا على ما كنا عليه قبل كل لحظة حزن وكل لحظة انكسار وانهزام لوجدنا أنفسنا مختلفين لو بنسبة بسيطة عما كنا عليه قبلها.
هناك من يكون تغييره إلى الاجمل وهناك من يكون تغييره إلى الأسوأ، فالقوي الذي يتقبل حزنه وانكساره على أنه اختبار ألهى وبلاء وأنه العسر الذي سيليه يسر، والحكيم الذي يستفيد من حزنه ويجعله بداية جديدة وكأنها فرصة لحياة ولمرحلة جديدة، كأنه فصل جديد بكتاب حياتنا ونقطة تحول لنا من قبيح إلى جميل ومن ضعف إلى قوة.
فذلك الحزن وذلك الألم لن يبقى إلا فترة من الزمن، فهو ليس إلا اختبار لن يطول ولن يدوم، هو فقط سيخبرنا كم كنا صابرين وكم كنا نؤمن بقوة الله فتغيير أحوالنا من القاع إلى القمة، قد تكون تلك أصعب مراحل حياتنا وقد نتعلم بأقسى طريقة وبأقوى السبل، ولكن سنتذكر دائماً أن هذا الحزن لن يطول وأن هذا الالم لن يدوم.
قد نصل لهذا القناعة بعد فوات الاوان أو نصل لها بعد عدة خسائر لا تعد ولا تحصى، ليس المهم متى كان الوصول ولا يهم كم خسرنا، بقدر ما يهم مدى تأثير هذه القناعة فينا وإلى أي اتجاه ستأخذنا وهل ستضعنا على سلم الصعود للقمة والارتقاء أم تضعنا على سلم النزول للقاع.
قد يسيطر علينا الحزن والالم والاكتئاب إلى الحد الذي يفقدنا التركيز وقد يجعل خطوتنا غير متزنة وغير سوية، ولكن الايمان الذي زرع بداخلنا سيكون كفيل أن يعيدنا لطريق الصواب وأن يملئ قلوبنا قناعة بأن ما حدث وما يحدث وما سيحدث أقدار كتبها الله لنا وأن كل هذا مساوي لمحبته لنا وتختبر مدى صبرنا ولنكن على يقين تام بأن الله لا يكلفنا ما لا تتحمله أنفسنا.
فرح اللحياني
@s_ro7i
This site is protected by wp-copyrightpro.com