بداية أود التصريح بأنني لست ناقدة فنية ولا صلة لي بالفرشاة والألوان بتاتاً .. كل مايربطني بالفن لوحة أتأملها لا أعلم كم من الوقت أخذت من صاحبها ولا من فكره. لا أعتبر نفسي متذوقة للفن إلا أنني دائما أسير وراء مشاعر غريبة قد تجذبني لكلمة أو صورة، لكتاب أو لوحة وغالباً معزوفة موسيقية.
لأول مرة أزور معارض للفن التشكيلي في حياتي كانت في الخارج، رحلة مع فريق المعهد الذي كنت منضمة إليه لتعلم إحدى اللغات. خرجنا سوياً كفريق في الوقت المحدد كانت التاسعة والنصف صباحاً لنتفرق بداخل المعرض بحثاً عن بعض المعلومات التي قد تفيدنا في كتابة موضوع عن الفنان الفرنسي كلاود مونيه ..لا أعلم إن كان قد سرقني الوقت لأجد المشرفة متفاجئة من وجودي حتى الثانية والنصف ظهراً. سألتني في ذهول عن سبب بقائي- بعد أن انصرف غالبية الفريق مع أول ساعة مضت منذ دخولنا للمتحف- أو إن كنت خرجت لأتناول الغداء وعدت لأكمل، أجبت بالنفي.
تلك هي المرة الأولى التي أزور فيها معرضاً ليس فنياً فقط بل عالمياً. ما أذكره في مخيلتي إزدحام أفراد بمسافات متباعدة يتأملون اللوحات على مسافة لا تقل عن متر ونصف احتراماً للآخرين بعضهم ممن تأخذه الدهشة تجده يقترب قليلا ليستيقظ من رحلته على إعتذار البعض أو بسبب همس لامس أذنيه.. والآخر مجموعات صغيرة لا تتعدى الثلاثة متفرقة تناقش تفاصيلها، أناس يحملون كاميراتهم الفوتوغرافية أو أجهزتهم المحمولة ليسجلو حدثاً عظيما ً وهو نقل لوحات لمجموعة من الفنانين كان من ضمنهم كلاود مونيه إلى متاحف متعددة من العالم من بينها place des beaux art بمدينة مونتريال. تسللت هذه الذكريات من الماضي القريب- والتي كانت في شهر نوفمبر من العام ٢٠١٣ – إلى مخيلتي اليوم وأنا أحضر افتتاح أحد معارض الفن التشكيلي المقام بجمعية الثقافة و الفنون بجدة “حكاية حياة” كما أسمته الفنانة أريج عبدالله. سعدت جداً وأنا ذاهبة عادة أشاهد تغطياتٍ أو تقارير لمعارض تشكيلية إلا أنها الأولى التي أحضرها هنا، و أنا في طريقي سعدت جداً لاحترامنا وتقديرنا للفنون التشكيلية وغيرها بعد الصحوة الفنية التي اجتاحتنا مؤخراً. وصلت الجمعية وانتظرت بشوق لأرى اللوحات. بالتأكيد المكان مليء ومزدحم “ظاهرة صحية” وهي دليل على تقدير المجتمع للفن التشكيلي و الفنان التشكيلي. توقفت عند أولى اللوحات لأرى فيها حكاية ضجيج تأملتها طويلاً لا أعلم المدة لأنتقل للوحات أخرى وأجد غالبية اللوحات التي هنا يغلب عليها ضجيج عقل .. وهناك ضجيج طفولة يخترقه ضجيج حوار بين والدين، على الجهة الأخرى وجدت ضجيج زوجين وأحيانا ضجيج بين إثنين .. ضجيج على ورقة لعب وضجيج على ألحان معزوفة وضجيج وضجيج وضجيج.. هنا وهناك !
وكأنها ترسم صورة لصالة العرض.
أثناء جولتي بالتأكيد الغير المتتالية على اللوحات فوجئت بأناس مختلفون “جمعهم حب الفن التشكيلي ” .. كل يتذوق الفن على طريقته. هنا وجدت مجموعة من ثلاث أشخاص أعطت ظهرها للوحات خلفها لتبني سدا منيعا بين من يحاول رؤية تلك اللوحات. وهناك أرى من يتبادل الحديث على مواقع التواصل في جهازه، حاولت أن أجول ببصري لعلي أجد مخرجاً من هذا الإزدحام .. تسللت مسرعة إلى زاوية لمحتها هادئة فعرفت السبب كانت مكاناً لكاميرا تلفزيونية وقد انتهى اللقاء. مررت بمتذوق للفن يأخذ لنفسه “سيلفي مع الصور” ومتذوق آخر سنابي يتنقل من هنا إلى هناك ليسجل تغطية خاصة على حسابه. انتهيت من القاعة ببعض الصور للأعمال المعروضة علني أشاهد ضجيجها في منزلي من دون ضجيج ! وماهي الحياة إلا عبارة عن ضجيج … فعلا كان معرض “حكاية حياة” !
لا أعلم هل هي حكاية حياتنا كأشخاص وسط الضوضاء التي نعيشها، أم هي حكاية حياة الفن التشكيلي عند فنانة جسدت الواقع “من وجهة نظري كمتفرج” على أنه ضوضاء، أم هو قصة حياة تذوقنا للفن التشكيلي بشكل عام!
أما الآن فقد قررت الذهاب إلى معرض حكاية حياة في يوم آخر علني أستمتع هذه المرة بضجيج اللوحات وحدها !
بقلم : الإعلامية نهى مندوره
This site is protected by wp-copyrightpro.com