قبل عام طلبت مني إحدى الجهات تحكيم مشاركات شبابية في مسابقة بسيطة ترتكز على القراءة، وأرسلت إلي ظرفا يحوي ما يقارب سبع عشرة مشاركة أدبية شبابية، وبعد قراءة الأعمال، اقتطعت منها أجزاء عشوائية وأدرجتها في محرك البحث (قوقل)، فكانت المفاجأة أن أكثر من نصف المشاركات مسروقة بالكامل، وقليل منها بشكل جزئي، ولا أعلم ربما كان الجزء السليم مسروقا من كتب أو مجلات ليست مدرجة على الشبكة العالمية.
من أخطر آفات هذا العصر العلمي الصاخب آفة السرقة (العلمية والأدبية) وعلى خطورتها لا نسمع بحراك إعلامي أو رسمي حقيقي لمحاربتها في أوطاننا العربية، بل أصبحت كالمسلمات التي لا يمكن التفكير بحلول تحد منها على الأقل، والأخطر أن كثيرا من أساتذة الجامعات يدركون أن طلابهم ينسخون بحوثا كاملة بالنص من الانترنت، لكنهم رغم ذلك يتساهلون جدا ويمنحونهم الدرجات بحكم إحضارهم التكليف، وكأن الغاية لا تتعدى إحضاره، والأخطر أن تنتشر على مواقع التواصل معرفات تجاهر بكتابة الرسائل الجامعية والبحوث لطلاب الدراسات العليا، ولا ترى أخبارا تؤكد الإطاحة بهؤلاء المجرمين الخطرين على الثقافة العربية والمؤسسات بأنواعها كافة، وبعضهم يراسل الباحثين عارضا خدماته الإجرامية دون خوف (من الله ولا من خلقه).
ما أكثر المرويات حول السرقات العلمية والأدبية من مناقشي الرسائل العلمية وغيرهم، والمؤسف أن كتبا وإبداعات تؤلف وتفوز بجوائز لا يكتشف الجادون ـ بمجهودات فردية ـ أنها مسروقة إلا بعد إعلان فوزها، وكتبا لا يكتشفها إلا مؤلفوها مصادفة أو القراء الحقيقيون، ناهيك عن سرقات الأفكار أو ما يسمى (السرقة العميقة) التي يتصرف فيها المؤلفون ويوارونها في أعماق أساليبهم لا يكتشفها إلا باحثون مميزون جدا.
من العجيب أن هناك أدوات عالمية لكشف السرقات (Plagiarism)، لكنك لا تسمع عنها في إعلامنا ولا في مؤسساتنا الأكاديمية، فإن كانت موجودة لديهم فهي في نطاقهم الضيق المحدود، وهذا يعالج المسألة في شق ضيق ـ أيضا ـ وتلك الأدوات تختلف في برمجياتها وتتبعها للنصوص، فما عليك سوى نسخ جزء من النص أو كله وإدراجه لتبدأ المقارنة في العديد من اللغات العالمية ومن بينها اللغة العربية، في العديد من مظان المعرفة الإنسانية الكترونيا، وهذه التقنيات المتطورة يجب أن نستفيد منها، وأن يعتمد عليها أساتذة جامعاتنا، والمؤسسات الثقافية ودور النشر والصحف والمجلات ومحكمو المسابقات والبحوث العلمية استفادة عظمى؛ للحد من السرقات، وتنقية الأوساط العلمية والأكاديمية والثقافية من الطفيليات المنتفخة بكد وجهود الآخرين.
ولذا فإني أنادي وأشدد في مناداة وزارة التعليم، ووزارة الثقافة والإعلام، وغيرهما من الجهات المختصة أن تبادر بقوة إلى قطع طريق السراق بهذه التقنيات، واتخاذ تدابير صارمة تصل إلى السجن والتشهير بالسراق والمنتحلين والمزورين وحرمانهم من مكتسباتهم المسروقة، فهم خطرون جدا على ثقافتنا وسمعتنا العلمية والثقافية، ويمتد خطرهم إلى تقويض بعض دعائم التنمية الوطنية، والله من وراء القصد.
الكاتب احمد الهلالي
alhelali.a@makkahnp.com
This site is protected by wp-copyrightpro.com