Latest News
الإعلام بين التقليد والتجديد.. الصحافة في مواجهة الخوارزميات …ومعركة البقاء والهوية
19 يونيو 2025
0
24750

سلطان سعيد 

‏‎‏شرفني الأستاذ الإعلامي العزيز ياسر الجنيد بدعوة كريمة للمشاركة بمداخلة في برنامج الشارع السعودي على قناة السعودية الاولى ومن تقديم المتألق القدير صلاح الغيدان اعتذرت عنها لكوني مرتبط بحدث إعلامي في نفس التوقيت وكانت المداخلة عن الصحافة ومراحل تطورها ومستقبلها في ظل التطور الهائل وتحوّل كل فرد إلى “ناشر محتوى”وكون نقل المعلومات أصبح فوريًا اضافة لتطور برامج الذكاء الاصطناعي ودخولها كعنصر اساسي وركن رئيسي في مستقبل الإعلام .
شهدت الصحافة عبر التاريخ تحولات جذرية بدأت من النقوش الحجرية وانتهت اليوم بخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تكتب وتنشر وتحدد ما يقرأه الجمهور في مختلف أنحاء العالم مرت هذه الرحلة التاريخية عبر محطات كبرى شكلت ملامح هذا الفن النبيل الذي لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار بل أصبح قوة مؤثرة في صياغة الرأي العام والسياسات والقرارات

في العصور القديمة كانت الأخبار تُنقش على الجدران أو تُعلن شفهياً في الساحات العامة كما في روما حيث استخدمت
الأكتا ديورنا كأول وسيلة إخبارية شبه رسمية أما في الشرق فقد كانت الأخبار تنتقل عبر الرُسل أو على ألواح الطين والجلد في حضارات الرافدين ومصر

مع اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر على يد يوهان غوتنبرغ حدثت ثورة معرفية ضخمة فتدفقت المعلومات نحو الجمهور وظهرت أولى الصحف المطبوعة مثل صحيفة ريلاسيون في ألمانيا والتي دشنت عهدا جديدا من نقل الأحداث بأسلوب منتظم ومع بداية القرن السابع عشر بدأ الاهتمام السياسي والتجاري بالصحافة يزداد فباتت تُطبع بشكل دوري وتوزع على النخب فقط.

خلال القرن التاسع عشر ساهمت الثورة الصناعية في توسع قاعدة القراء وظهور الصحافة الشعبية التي تحدثت بلغة الناس وبأسعار زهيدة ورافق هذا التطور ظهور أنماط جديدة من التغطية الصحفية مثل التحقيقات الميدانية والكاريكاتير السياسي والملاحق الثقافية والرياضية وانتشرت الصحف الكبرى في لندن وباريس ونيويورك كمؤسسات ذات تأثير يتجاوز الحدود الجغرافية.

ومع دخول القرن العشرين واجهت الصحافة تحديا من نوع جديد هو الإذاعة ثم التلفزيون اللذان قدما المعلومة بالصوت والصورة وفي الوقت نفسه بدأت الصحف تطور أدواتها من خلال التصوير الفوتوغرافي والتصميم الطباعي والمراسلين الميدانيين وشهدت هذه المرحلة تطوراً في مهنية الصحفيين وتأسيس نقابات وهيئات تشريعية تحمي حرية الصحافة

جاءت ثورة الإنترنت لتقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب حيث انخفض الاعتماد على الورق وظهرت المواقع الإخبارية والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من كل شخص صحفياً محتملا في حين دخلت مفاهيم جديدة مثل الصحافة التفاعلية والبيانات الضخمة والتحقق الرقمي من الأخبار وبرزت ظاهرة الأخبار المزيفة التي باتت تهدد ثقة الجمهور في الإعلام .

اليوم تدخل الصحافة عصرا ًجديداً عصر الذكاء الاصطناعي إذ باتت بعض المؤسسات تستخدم روبوتات تحريرية لتحليل البيانات وكتابة التقارير آلياً كما دخلت أدوات الواقع المعزز والافتراضي في إنتاج القصص التفاعلية وأصبح التحدي الحقيقي أمام الصحفيين المعاصرين هو الحفاظ على المصداقية والإنسانية في عصر تسيطر فيه الخوارزميات على ما يقرأه ويشعر به الجمهور

رغم كل هذه التغيرات تبقى الصحافة في جوهرها مرآة للواقع وأداة لحماية الحقيقة والديمقراطية والتنوع والرأي والرأي الآخر مهما تطورت الوسائل والوسائط فإن رسالة الصحفي تبقى واحدة وهي أن يبحث ويدقق ويكتب من أجل أن يعرف الناس لا أن يُضللوا أو يُستغلوا في زحام الضجيج المعلوماتي ط
‏‎
حين دخلت الصحافة عصر السوشيال ميديا -الإعلام الجديد-تحولت القوة من المؤسسات إلى الأفراد ومن المعايير المهنية إلى مزاج الجمهور ومن الرقيب التحريري إلى الخوارزميات هذه التحولات لم تكن مجرد تحديث تقني بل زلزال في بنية الإعلام استبدل الحبر بالسرعة والدقة بالصدى والمعلومة بالترند
ولعل من أبرز المخاطر التي أفرزها هذا التحول تكمن في طغيان ثقافة اللحظة على عمق التحقق حيث أصبح المهم أن يصل الخبر أولاً حتى وإن لم يكن صحيحاً ودقيقاً وانتشر ما يُعرف بالأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي سواء من خلال حسابات مجهولة أو أدوات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي أصبح قادراً على خلق صور ومقاطع فيديو مقنعة لكنها مفبركة.

كذلك برزت ظاهرة المؤثر الصحفي وهو الشخص الذي يبني رأيه على التفاعل لا على المعلومة ويخاطب الغرائز لا العقول مما تسبب في تسطيح القضايا الكبرى وتوجيه النقاش العام نحو الترفيه أو الانقسام وتراجع مكانة الصحافة القائمة على القيم والمبادئ والصحه والدقة .

الخطر الأعمق يتمثل في القادم وهو سيطرة الخوارزميات على الرأي العام حيث تحدد المنصات الكبرى ما يظهر وما يُخفى بناء على تفاعل المستخدمين واهتماماتهم التجارية والاجتماعية والسياسية والترفيهية مما يصنع فقاعات معلوماتية يعيش فيها الناس داخل عوالمهم الخاصة دون احتكاك بالحقائق الكاملة أو الرأي والرأي الآخر وهذا قد يفقد الإعلام والإعلامي جوهر الواقعية والصدق وردة الفعل .

ولم تعد الحدود بين الخبر والرأي واضحة فبات المتلقي يستهلك مزيجاً من التغطيات الموجهة والمحتويات المدفوعة والمواقف الشخصية دون أن يدرك طبيعة ما يقرأ أو يسمع أو يشاهد ونتج عن ذلك فقدان تدريجي للثقة في الإعلام كمصدر محايد .

في ظل هذا الواقع المتشابك تبرز مجموعة من التوصيات الضرورية لمستقبل إعلام أكثر وعياً واتزاناً لعل أولها إعادة تأهيل الصحفي ليكون مواكباً للثورة الرقمية دون أن يتخلى عن جذوره المهنية وثانيها تطوير قوانين تنظم النشر الرقمي دون المساس بحرية التعبير وثالثها فرض شفافية على المنصات الكبرى لتوضيح آليات الترويج والحذف والرقابة

كذلك يجب على المؤسسات الإعلامية الاستثمار في التعليم الإعلامي للجمهور ليكون قادراً على التمييز بين الخبر والدعاية وبين الصحافة والتسويق وبين النقد والتحريض وهو دور تربوي وثقافي يحتاج إلى جهود مشتركة من الإعلام والتعليم والمجتمع المدني

ما بعد صحافة السوشيال ميديا ليس نهاية الإعلام بل هو بدايته الجديدة إعلام لا تكتبه المؤسسات وحدها ولا يمليه الجمهور وحده بل تشترك في صناعته خوارزميات وتقنيات وعقول بشرية تسعى لفهم العالم لا لتزييفه وتحرص على الحقيقة لا على الانتشار فقط .


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2025 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com