الكاتب :أيمن عبدالله رويشد
معضلة الحياة الفقر منذ فجر التاريخ وعلى مر الأزمان ، فهو مرضٌ يتفشى في هذه الحياة المعمورةَ بالأمل والتفاؤل وحتى إن تعارض المحبطون ! البعض يعتقد بأن الفقر هو فقر المال ولكن حينما أنظر لها بمنظوري أرى أن الفقر ليس محدوداً على فقر المال بل الفقر والغِنى يتلخص في قناعة الشخص بما وهبه ربه من خيراتٍ ونعم ، وللفقر مفاهيم كثيرة وإن تعددت مفاهيمه فيبقى بالأمر الغير ممدوح. أكونُ متأسفاً حينما أرى انعدام ثقة الفقير في المجتمع حينما لايدعمه وينهض به فترى بعض الفقراء سارقاً أو منعدم الأخلاق ، البعض منهم فقدو رغبة الحياة ، وأصبحت لديهم رغبةً في الانتحار ، وعدم المواصلة في هذه السلسلة من المأسي الحياتية ، فهي مرهقة وشاقة بالنسبة لهم ومسيرةً لايعلمون أين نهايتها . للفقر ارتباط وثيق بانتهاك السمات الانسانية الرئيسية ، بما في ذلك الصحة ، فيتعرض الفقراء إلى مشاكل بيئية وصحية قد تفتك بأمم . وأذكر هنا مقولة لأدلوف هتلر “إن الفقر هو أحد أضلاع المثلث الشهير الذي يضم معه المرض والجهل، فإذا تجلى هذا المثلث الثلاثي الاضلاع في مكان ما، تأكد أن الشعب- أي شعب- مهما كانت حضارته وعراقته سوف يكفر بالدولة وآلياتها ونظامها ولسوف تنتحر القيم الوطنية داخل كل إنسان” .
قارة إفريقيا أو القارة السمراء ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة والتعداد السكاني ، وهي البيئة الخصبة لحملات التبشير والتنصير، ففيها أعظم التحديات والفرص للخدمات التبشيرية في العالم اليوم ، فهي أكثر القارات على الأرض معاناةً وأكثرها صموداً ، ففيها أكبر عدد من الحروب ، وأسوأ المجاعات ، فهي أسهل الأراضي للمنصرين انفتاحاً للإنجيل والمسيح ، فحسبما رأيت في إحدى المشاهد لأحد المنصرين يقول “خبزاً مقابل يسوع ” . فيزعم المنصرين بأن الحل الوحيد لاقتلاع القارة الافريقية من سلسلة المعاناة من الكوارث الطبيعية والجفاف والأوبئة وغيرها من المشاكل والتي هي من صُنع الإنسان هو اعتناق الفقراء الافارقة النصرانية ، فيعتقدون حسبما يزعمون بأن الإسلام إحدى المشاكل التي يمر فيها فقراء أفريقيا . فيتلقى المنصرين في أفريقيا دعم سنوي بمبالغ طائلة من شركات تؤيد دعم الحملات التنصيرية ، فالعديد من الشركات العالمية لاتجعل عينها منبثقة في اتجاهٍ واحد ، فلاتفكر في المجال التجاري فقط ، بل في كل المجالات ومن تلك المجالات دعم الدين الناتج عن الشركة ، فبالطبع تلك الشركات تبني هذا الشق لتحقيق أهدافاً لها على المدى البعيد تخدم مصالحاً لها. من الأمور التي وصلو لها المنصرين خلقهم لمواقع في الشبكة العنكبوتية لتواكب آخر تطورات التنصير وتنقل الحدث أولاً بأول ونقلاً من إحدى هذه المواقع “لقد انقضى أكثر من مائتي وعشرين عاما على الآباء المؤسسين في إيمانهم في رحلة تاريخية – إرسال المبشرين إلى أفريقيا لإعلان الخبر السار لربنا يسوع المسيح. كانو تسعة ملايين مسيحي فقط في أفريقيا في عام 1900، ولكن بحلول عام 2000، كان هناك ما يقدر بنحو 380 مليون مسيحي.” ووفقاً لإحدى المؤسسات المسيحية بأن النسبة للمسيحية في عام 1965 كانت تحتل أقل من 25 بالمئة بينما تصل اليوم نسبة المسيحية إلى 46 بالمئة ، ويضع المنصرين ومن يدعمهم آليات لمواصلة العمل التبشيري الذي يكفل استمرار المسيحية في أفريقيا ، وهم يضعون حملات تمويلية لبناء مباني للمسيحين الافريقين تضمن لهم حياة أفضل واستدامة اقتصادية دائمة . ونقلاً من الدكتور جالو سيدو(الأمين العام للمنظمة الثقافية للتنمية الإسلامية ببوركينا فاسو) بأن بلاده تتعرض لهجمة تنصيرية شرسة وفق مخطط معد سابقاً بهدف قتل الهوية الإسلامية لمسلمي بوركينا فاسو واستعادة المجد الصليبي في الغرب من القارةِ الأفريقية ، ونقلا من جالو أن هناك أكثر من 4000 مؤسسة تنصيرية تعمل في بوركينا فاسو من معاهد ومراكز تأهيل مهني وجمعيات خيرية وإنسانية ومراكز للرعاية وتتلقى دعماً سخياً من شركات ومؤسسات إعلامية تلعب دورًا كبيرًا في صناعة الأفكار والمبادئ والتأثير لصالح الكاثوليك والبروتستانت وشهود يهوه والتيارات الأخرى الدينية الموالية لهم . فيبدو واضحاً بأن حركات التنصير في أفريقيا خطط مدروسة وليست لها تبعات عشوائية بل هي خطط مرسومة على المدى الطويل والمدى القصير ولها جوانب سياسية تقضي بعض الأحيان إلى تفكيك الدول وتقسيمها
هنا أسرد تاريخ الحملات التنصيرية التي حدثت في القارة السمراء منذ الأزل في خُلاصة . بدأت الحملات التبشيرية والتنصيرية في أفريقيا عن طريق الحملات البرتغالية وتبعتها الحملات البريطانية وتلتها الأمريكية . تُعد نيجريا إحدى المطامع الكبيرة للمنصرين في أفريقيا ، فنيجريا قد تكون من أكبر الدول الإسلامية في أفريقيا ، فتزداد المطامع والمحاولات من حولها ، فتتداول المحاولات عليها باستمرار لجعلها دولة نصرانية بشكلٍ كامل وقد ينجحون في ذلك فالآن حسب وكالة المخابرات المركزية في نيجريا بأن عدد المسلمين في نيجريا يصل إلى 50.4 بالمئة مما يعني نصف عدد السكان تقريباً علماً بأن عدد السكان يصل إلى أكثر من 152 مليون نسمة ، ومما أدى إلى نجاح الحملات التنصيرية في نيجريا هو ضعف المساعدات الإسلامية ، فعدم وجود أي مؤسسة إسلامية في جنوب نيجريا هو أمرٌ في غاية الخطورة بينما نرى من الجانب الآخر المئات والمئات من الجمعيات الخيرية الغير إسلامية والتي تؤدي الدعم المادي والمعنوي ، فقلة الوعي والجهل والفقر أدى بهم إلى ديانات أخرى . ومن الخطط المدروسة للمنصرين هو منع تعليم المواد الإسلامية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ، لجعل الجهل يتفشى فتصبح المسألة للمنصرين في غايةِ السهولة فهم الآن يحلو محل السيطرة في نيجريا على المؤسسات التعليمية بشكلٍ عام وعلى أغلب مؤسسات الدولة ، فهي أصبحت كالحرب على الإسلام والمسلمين هناك بشكل شرعي أو غير شرعي ، فتبدو بأنها عمليات وأساليب ممنهجة ومدروسة بعناية فائقة عبر التاريخ وتلائم الثقافة الأفريقية ، ومن المضحك بأن المنصرين يجعلون لون يسوع على سبيل المثال أسود ليكون قريبا لهم ويلامسهم وهذا الحال فالصين فيجعلون شكله صينياً وفالهند هندياً.
قارة الصراع والصمود ، فتلك القارة التي طغى عليها قانون الغاب حتى أصبح أساساً يكادُ أن لا يجزء من تلك القارة . لا أنكر البصمة الأوروبية التي تركها الأوربيين في تلك القارة ، ففي الجزء الغربي من القارة الأفريقيا كان النصيب الأكبر للبريطانيين والذي ساهم في زيادة سوء الدول في أفريقيا من عبودية وفقر واضطهاد للحقوق الشرعية التي تكفلها كل المنظمات الإنسانية فبدأت القصة بعد استعمار غانا عام 1874 والتي حققت الاستقلال بعد ذلك في عام 1957 لتكون أول دولة تحقق الاستقلال في الغرب الأفريقي ، بعد احتلال دام ستين عاماً ، وكان بقيادة د. كوام ناكروما رئيس غانا الأسبق ، وحينما قرأتُ عن سيرة هذا العصامي علمتُ ، بأننا نعيش في عالمٌ لايعرفُ القوي أو الضعيف ، الغني أو الفقير ، بل يعرف مدى قدرتك في وضع تلك البصمة في هذه الحياة المعمورة بالأمل ، فأنت يامن تتزلج بنظراتك في هذه السطور تعيش في عالمٌ يسوده مخاطر قد تكبلك فتجعلك الطعم في الحوض فينجو منه من يفكر بما وهبه الله له وهو العقل ، فأعلم أن القوة الحقيقية تكمن في هذا الكنز البشري وليست في جسداً فولاذياً لابصمة له ، فعقلانية وإصرار كوام ناكروما قادت غانا للاستقلال من الاحتلال . فالجدير بالذكر أن المناضل نوكروما وهو الذي وُلِدَ في مدينة أكرا والتي هي أكبر المدن في ساحل الذهب الاسم السابق لجمهورية غانا ، استطاع تحرير غانا من قبضة الإنجليز بعد عدة محاولات ، وحتى وهو معتقل لم يكف عن المحاولة ، بل وفاز بالانتخابات في دائرة أكرا وهو فالسجن بعد فوز ساحق لحزب المؤتمر الشعبي ، وتم اطلاق سراحه بعد ذلك ، والجدير بالذكر بأن حزب المؤتمر الشعبي تم انشائه عن طريق نوكروما ، وكان الهدف الرئيس للحزب تحقيق الحكم الذاتي للبلاد آنذاك . فالسؤال الذي يراودني هل سيصبح المسلمون الأفارقة أقليةً قي بلدانهم بعد عُمرٍ طويل ! أين نحن من فقراء أفريقيا المسلمين ! هل سنرضى بأن تؤخذ منا ماسةً غاليةً علينا !
This site is protected by wp-copyrightpro.com