أثبتت الدراسات مؤخراً أنه في السنوات العشر الأخيرة، قامت وسائل التواصل الاجتماعي و مواقعه بإحداث تغيرات جوهرية في حياة الجيل الصاعد، تغيرات لم يتسن بعد قياسها وتقدير منافعها أو مخاطرها على مستقبلهم.
من جهة لا ننكرها، كان لتلك المواقع بالغ الفضل في اتساع شبكات علاقاتنا الاجتماعية وساعدتنا على تخطي حواجز المكان والزمان، وأصبح لدينا أصدقاء في نيويورك ، هونج كونج جنوب أفريقيا و شمال أوروبا نستطيع مراسلتهم في أي وقت أردناه دون الانتباه لفروق التوقيت.
و من جهة أخرى، في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية تحولت ثقافة الفرد في المجتمع إلى بضاعة مستهلكة معروضة على منصات أفكار شخصية لا علاقة لها بالمحور الأساسي لوعي الأفراد.
و في الغالب نجد هذه المنصات منصات إعدام لا إعلام، لأنها لا تنمي في الفرد حب الإطلاع الا من باب الفضول، و تميل غالبًا لأرآءٍ سطحية تعتمد بالدرجة الأولى على رأي صاحب الموقع الشخصي، و أغلب متصفحيها يبحثون عن الأحاديث الخاصة البعيدة كل البعد عن نشر منهجية القراءة و تثقيف الذات و نشر الوعي.
و كنتيجة لذلك، نجد أن أصحاب الأقلام الواعية ليس لهم مكاناً في هذه الدوامة، و ما تيسر منهم تحول قلمه من تقديم محتوى جيد إلى تقديم محتوى سريع مرتجل و سطحي، إما لأنه انساق وراء الايقاع السريع لمواقع التواصل الاجتماعي، او لأنه بات يراعي طبيعة القراء في هذه المواقع، ممن يميلون الى اقتطاف الأفكار السريعة.
ما يثير الدهشة هو العالم من حولنا، الذي بات منصاعاً بشكل يفوق العقل و المنطق لتصفح تلك المواقع ، و لقضاء معظم وقته متنقلاً بينها لمتابعة قشور الأخبار، لاغياً أهمية الكتاب و القراءة،
و بالتالي فإن ما نراه اليوم ماهو الا ناتج طبيعي لما يحدث، و هو السبب الرئيسي في تحول المنهج الفكري و مفهوم الكتابة تحولاً سلبياً نشأ مع جيل التكنولوجيا في عصر السرعة، فأصبح لدينا جيلاً يستقي معلوماته من السناب، الفيسبوك، الإنستجرام و اليوتيوب، ميالاً بطبعه للسطحية في كل الأمور، بعيداً عن مناقشة القضايا بواقعية و عمق، و حل المشاكل من جذورها. اذ أن مصادره المعتمدة ليست مبوبة و لا منضبطة تقتل روح الإبداع فيهم.
و ان استمر الوضع كذلك سنواجه كارثة ثقافية تتسبب في تراجعا ملفتاً في مجالات الثقافة والفكر، وأنماط التكفير.
بقلم : غادة ناجي طنطاوي
This site is protected by wp-copyrightpro.com