تحفل مواقع التواصل الاجتماعى بصور وأخبار شخصية واجتماعية ما بين صور
الخِطبة والزفاف، وأعياد الميلاد والحفلات والترفيه والتنزه على الشواطئ،
وغيرها، ناهيك عما يتم بغرف الدردشة الإلكترونية من محادثات تجمع ما بين
المسموح به والممنوع، بدءا من الغيبة والنميمة، ووصولا إلى الأسرار
الزوجية والعائلية!
سلوكيات فى ظاهرها المباهاة والدردشة حسنة النية، لكن سرعان ما يتحول
الأمر، وتستغل تلك الأفعال والمحادثات البريئة فى جرائم أخلاقية تنتهك
الخصوصية وتتسبب فى مشكلات عائلية، قد تصل فى بعض الأحيان إلى الانفصال
والطلاق.
ضرورة قصر الاستفادة من مواقع التواصل على الجانب الإيجابى منها، لاسيما
فى ظل وجود برامج اختراق الخصوصية، والتى يستغلها منعدمو الضمائر فى
التجسس وتزييف الصور للتنكيل بأصحابها وابتزازهم، مستغلين جهل عوام
المستخدمين وعدم إحاطتهم بسبل الحماية ضد الاختراق.
عرض الإنسان أموره الخاصة على رءوس الأشهاد لمن يعقل ولمن لا يعقل،.
فهذا كله مدعاة للحسد وفتنة غيرهم ممن لم يرزقوا مثل هذه النعمة، لذا
كثيرا ما تحدث المشكلات والحوادث عقب ذلك، وربما كان السبب فى ذلك هو
الحسد الذى تسبب فيه التباهى بالنعمة.
الإسلام أرسى تدابير وقواعد احترازية وقائية ضد ما يعود سلبيا على الإنسان
ومن يعول، خاصة الأهل والأبناء والأموال، ففى قصة سيدنا يعقوب أمر أبناءه
حال قدومهم مصر بألا يدخلوا من باب واحد وأن يدخلوا من أبواب متفرقة،
وهذا برهان على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من العين والحسد والنظرة واختراق
الخصوصية، وهذا ينطبق على ما يحدث الآن من خلال نشر صور المناسبات
والأمور الشخصية من الأفراد أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعى مما يعرض
الكثير منهم لمشكلات قد تؤدى إلى الابتزاز والتفكك الأسرى والطلاق، فضلا
عن الحسد والحقد والغيرة. ولنا فى القرآن الكريم الأسوة الحسنة، فقال
تعالي: «وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا
قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا
وَوَلَدًا». ولهذا يجب على الأفراد احترام خصوصية أنفسهم أولا، وعدم نشر
أخبارهم وصورهم على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة النساء وذلك لعدم
التعرض للابتزاز، ولنا فى رسولنا الكريم القدوة الحسنة إذ يقول: «إن الله
يغار وإن رسوله يغار وإن المؤمن يغار»، فالحديث يحث على مراقبة الله
والصدق والاعتراف بنعم الله والحذر من محارمه وأن من خالف ذلك واستكبر عن
اتباع الحق وجحد النعم حرى بأن يرد إلى حاله.
التطور الهائل فى التطبيقات والبرامج وانتشار الأجهزة الذكية جعل انتهاك
خصوصية المستخدمين لهذه المواقع مسألة فى غاية الخطورة والسهولة، الأمر
الذى يستحق التعامل معه، خاصة أنها مكنت الكثيرين من أصحاب الضمائر
الغائبة من الدخول بأسماء مستعارة لهذه المواقع دون مراعاة لأي ضوابط أو
تشريعات يمكن أن تسن لحماية حقوق مستخدمى هذه الشبكات وارتكاب العديد من
جرائم النصب والاحتيال. ولفت الانتباه إلى أن هناك برامج وتطبيقات تساعد
على تزييف صور المستخدمين من خلال برامج معالجة الصور وربما وضعهم فى
مواضع تخدش الحياء العام وتنشر الشائعات عنهم وتشوه سمعتهم دون الالتزام
بالأخلاقيات القويمة أو اتباع التعاليم الدينية السمحة.
أدب الاستئذان لمراعاة هذه الخصوصية التى ينبغى أن يتمتع بها الإنسان
والتى هى حق من الحقوق الأصيلة لكل فرد من أفراد المجتمع بلا استثناء،
وغياب هذا التوجيه يترتب عليه العديد من الأضرار النفسية والمعنوية بل
والمادية فى كثير من الأحيان التى يلجأ فيها المحتالون لاستغلال ما يتم
نشره وابتزاز أموال المشاركين فى هذه الخدمات.
من ينشر خصوصيته سواء صورا أو أخبارا، مشيرا إلى أن ذلك يعتبر من باب
المجاهرة بأسراره ونشرها على العامة مما يتسبب فى الكثير من المشكلات
الاجتماعية وقد تؤدى فى بعض الأحيان إلى هدم الأسرة، أو سرقة المنزل من
خلال إحاطة المجرمين بتحركات وخط سير الأسرة عن طريق ما ينشر على مواقع
التواصل.
وقال إن الدين الإسلامى أرسى قواعد ثابتة فى التعامل مع النعم وقضاء
الحوائج فقال صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان
فإن كل ذى نعمة محسود». ومن هنا تجدر الإشارة إلى عدم نشر الخصوصية لمنع
العين والحسد، فماذا تنتظر أسرة تتباهى بإنفاق آلاف الجنيهات خلال أسبوع
بمصيف أو رحلة أو العشاء بمطعم شهير بما يزيد على ألف جنيه، فى حين هناك
آخرون لا يجدون ما يوفرون به لقيمات الخبز أو علبة دواء ببضعة جنيهات!
أليس ذلك مثار حقد وحسد، وكيف يتباهى البعض بجمال أطفاله وهناك من حرمه
الله من نعمة الذرية؟!
بقلم : الدكتورة أمل فوزي عزام
This site is protected by wp-copyrightpro.com