نشأت في بيتٍ كان يعتبر وجود الرجل مع المرأة في كل مكان أمراً عادياً، تعلمت من أبي أن الرجل هو النصف المكمل لحياة المرأة، و أن ما يحدث من إعجاب متبادل بينهما هو حكمة لله في الأرض تتوج بالزواج، و منذ ذلك الحين و أنا أكن إحتراماً كبيراً لوجود الرجل في حياتي، أب، أخ، إبن، صديق أو زوج و أقدر علاقتي به، حتى أصبحت نصيرةً بالدرجة الأولى للرجل في كل المواقف.
قبل أيام أهدتني صديقةٌ لي كتاب (عالم بلا رجال) للمؤلف عزت السعدني، في بادئ الأمر لم يعجبني العنوان، لكنه أثار فضولي للقراءة حتى أتبين وجهة نظر الكاتب، و لا أخفيكم سراً، دارت بخلدي الكثير من الأفكار، فكيف لكاتبٍ من جنس الرجال أن يختار عنواناً جدلياً كهذا العنوان..!!
لم أستطع أن أنام تلك الليلة حتى وصلت لفكرة محتوى الكتاب، الذي كان يتحدث عن رجالٍ غاب عنهم معنى الرجولة الحقيقي، تخلوا عن دورهم الحقيقي في الحياة و تجاهلوا ما كلفهم الله به تجاه زوجاتهم و أبنائهم، أصبحوا مغيبين عن الحقيقة التي منحتهم شرف القوامة، فمنهم من تزوج و قرر الهجرة وحيداً تاركاً الزوجة و الأطفال لأجلٍ غير معلوم، و منهم من يتصرف مع أهل بيته بلا نخوة أو شهامة.
للرجولة وصف اتفق عليه العقلاء، و يكفيك إن كنت مادحاً أن تصف إنساناً بالرجولة، و تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ. و كلمة الرجل اصطلاحاً تستخدم لتحديد الجنس فهي تختص بالذكور، لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل كل الذكور من حولي رجال..؟؟
كثيرون هم من يدعون الرجولة، لكن رصيدهم من الأفعال لا يسعفهم، فيقوموا بمحاولات فارغة لإثبات الذات، كالولد في فترة المراهقة، التصلب في غير موطنه من باب أن الرجل الحقيقي لا يرجع عن ما قال و الكارثة الأخرى افتعال القسوة على أهل بيته من باب أن العاطفة للرجل الضعيف، متناسين قول المصطفى عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم؛
“خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي”.
تعلمت في صغري أن للرجولة ملامح تحاكي الروح و تترك أثراً طيباً في النفس أكثر مما يمس البدن و الظاهر، ليس بالضرورة كل من أوتي صحةً في البدن أن يكون رجلاً، فقد يطيش عقله و تغدو بسطة جسده هباء، و في المقابل قد يكون قعيد البدن لكنه يعيش بهمة الرجال. و عرفت عندما كبرت بأن الرجولة جوهراً و ليس مظهراً.
صفةٌ لا يستحقها كائنٌ من كان حتى يستكمل مقوماتها، الرجل الحقيقي إن سولت له نفسه بمعصيةٍ ردعها و إن أغرته الشهوات كبحها، إن بدت له الفتنة أعرض عنها، و إن وسوس الشيطان له بالسوء لم يلبي، يقود نفسه و لا تقوده، يمتلك زمام الأمور، يحسن الغضب و مع هذا فقلبه عامرٌ بالحنان، يعفو عند المقدرة و يتقن الإحسان و هذه خطوات الإنتصار في سجال الميدان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
“رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره” فهنيئاً لمن كان رجلاً حقاً و سحقاً لأشباه الرجال.
بقلم – غادة ناجي طنطاوي
This site is protected by wp-copyrightpro.com