الرفاهية الزائفة… أم التيه المعاصر؟

02 أغسطس 2025

1386

بقلم الدكتورة:ايمان فوزي الاستاذ بكلية الاداب جامعة المنصورة

في زماننا هذا، لم يعد الحصول على ما نريد يستلزم جهدًا يُذكر، بل صار الوصول إلى الحاجات والكماليات متاحًا بلمسة إصبع، وأصبح بإمكان كل فرد في الأسرة أن يطلب ما يشاء من خلف شاشة هاتف أو جهاز لوحي، فتُحضَر إليه حاجته دون أن يخطو خطوة خارج بيته، ولم تكن هذه الرفاهية ممكنة قبل أعوام قليلة، لكنها اليوم أصبحت من بديهيات الحياة اليومية، وإننا، وإن كنا لا ننكر ما في هذا التطور من يسرٍ وراحة وتوفير للوقت، فإنّ سؤالًا ملحًّا يُطل برأسه: هل نحن أكثر سعادة؟ هل نشعر حقًّا بالطمأنينة والرضا؟ أم أنّ شيئًا ما قد فُقد وسط هذا الزخم؟ قد يُعزى جانب من الضيق النفسي الذي نشعر به إلى تدني الدخل وغلاء المعيشة، ولا ريب أنّ لهذه الأسباب أثرًا ظاهرًا، غير أنّ الأمر أعمق من ذلك، فما نشهده لا يُفسَّر بالعوامل الاقتصادية فحسب، لقد تبدّلت أنماط حياتنا، وتحوّلت عاداتنا من التروّي والحكمة إلى اللهاث خلف ما يُعرض علينا، صرنا نقتني ما لا نحتاج، ونستهلك ما لا نستخدم، فقط لأنّ الإعلان أبهَرنا، أو لأنّ العرض مغرٍ، أو لمجرّد أنّ الشراء صار أسهل من التفكير فيه، فأين ذهب التأمّل؟ وأين ذهبت ثقافة التخطيط والتقدير؟ كان أهلنا يضعون لكل شهر ميزانية مدروسة، يفرّقون فيها بين الضروري والمؤجَّل، وبين ما يُستغنى عنه وما لا يُستغنى عنه، أما اليوم، فقد تلاشت تلك الحدود، وانفتح الباب على مصراعيه لنمط استهلاكي يُرهق الجيب والنفس معًا، فكيف لا يضطرب الإنسان في خضم هذا السيل الجارف؟ وكيف لا يُصاب بالتيه، وهو يملأ يومه بأشياء كثيرة لا تمنحه شيئًا؟ فماذا عسانا أن نفعل؟ وأين يكمن الحل؟ أن نستعيد وعينا، ونُعيد لأنفسنا حقّ السؤال: لمَ أشتري؟ ولمن؟ وهل أحتاج؟ أن نُعيد ترتيب أولويّاتنا، فنُقدّم النافع على اللامجدي، واللازم على العابر، أن نُربّي أبناءنا على التأنّي، وعلى إدراك أن ليس كل شيء متاح ينبغي اقتناؤه، أن نعود إلى ثقافة التخطيط والميزانيات المدروسة، لا إلى الاستجابة لكل رغبة عابرة، أن نبحث عن المعنى في علاقاتنا لا في مقتنياتنا، وفي لحظاتنا لا في طلبات التوصيل، فليست السعادة في وفرة الوسائل، بل في سكينة النفس، واتّزان العقل، ورضا القلب بما يكفيه.

Uncategorized