نعيش على أرض الله وتحت عينه وعنايته ونحن محاطون بالكثير من النعم، لكن استمرار تلك النعم وإلفها واعتياد وجودها قد يجعلنا لا نشعر بقيمتها ولا حتى وجودها، بل قد لا نشكر الله تعالى عليها، وفي مقدمة تلك النعم، نعمة الصحة والعافية، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه:” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: “الصحة والفراغ”{ البخاري }، ولعل من أسباب تلك الغفلة عن نعمة الصحة، أن الناس يحصرون نعم الله ورزقه في المال فقط، لكن ماقيمة المال بدون الصحة؟، إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو أصابه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص على الإنسان حياته، ولذهب الألم ببهاء كل النعم، حينها فقط يتمنى الإنسان لو ينفق الدنيا كلها – لو كانت في ملكه – ليزول عنه ذلك الخلل!
إن الإنسان إذا كان صحيح الجسم والعقل تمكن من القيام بكل واجباته ومهامه، واستطاع أداء العبادات على أكمل وجه، أما من أصابته علة أو مرض في جسده أو عقله، يكون محدود الإمكانات والقدرات، وقد يكون عاجزا عن القيام بالواجبات والعبادات، هذا فضلا عن سوء حالته النفسية وانتهاك الكآبة لروحه وفؤاده؛ فالسعادة لا تجتمع مع المرض، ولا يعرف قيمة كل تلك النعم ومكانتها إلا من ذاق مرارة الأوجاع والأسقام، ولذلك قيل:” الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى”، وإن أردت أن تستشعر قيمة تلك النعمة فاذهب – إن شئت – لزيارة المرضى وللمستشفيات ووحدات غسيل الكلى ومراكز الأورام، فكم هم الذين ينامون على الأسرة البيضاء يتألمون آناء الليل وأطراف النهار، لا تسعهم أرض ولا سماء، يودون لو يفتدون يوما واحدا من أيام صحتهم بكل ما يملكون من مال..!
إن الصحة والعافية من أجل نعم الله على عبده، وأجزل عطاياه، وأوفر منحه، وحقيق على كل مسلم رعايتها وحمايتها، خاصة في ظل ما يجتاح العالم الآن من انتشار فيروس كرونا وإصابة الملايين حول العالم، ووفاة عشرات الآلاف وتعافي كثير من الناس، بينما ظل الباقون يعيشون في قلق وترقب وخوف من الإصابة أو نقلها لغيرهم، لذا وجب التذكير بهذه النعمة في مثل هذه الظروف العصيبة، حتى يعلم كل من غفل عن قيمتها وتقديرها أنها تستحق الشكر عليها، وأن يعيد النظر في مكانتها ورعايتها والقيام بحقها فإنها لا تقدر بثمن.
لقد حثنا الدين الحنيف على الحفاظ على الصحة واتخاذ أسباب الوقاية والابتعاد عن كل ما يؤذي النفس ويفسد الصحة؛ مصداقا لقوله تعالى” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”{ البقرة: 195}، والصحة في الدين الإسلامي نعمة عظمى يمن بها الله على من يشاء من عباده، بل إنها أعظم النعم بعد الإسلام، وفي هذا يقول الرسول صلوات ربي وسلامه عليه:” ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة”، بل إن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام جعلها خيرا من الغنى في قوله:” لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم”.
فكن – أكرمك الله – ممن يصرفون نعمة الصحة في العبادة والطاعة وكل ما يرضي الله قبل أن يفاجئك المرض؛ فتندم على أيام خلت بدون طاعة الله قبل أن يقعدك المرض عن القيام بحقوق الله عليك، وإياك ثم إياك أن تغرك صحتك فتهتك بها سترا، أو تتجرأ بها على معصية، ولتعلم أن الذي وهبك الصحة قادر على أن يسلبك إياها؛ فاستشعر نعمة الله عليك، وكن من الشاكرين لله على نعمائه ففي الشكر الزيادة في النعمة، والفوز بالنعيم المقيم.
بقلم : الدكتورة أسماء عبد الحكيم راتب مدرس الأدب والنقدبكلية البنات الإسلامية بأسيوط
This site is protected by wp-copyrightpro.com