النزعة النقدية فى الهوية المصرية
05 أكتوبر 2021
0
33561

 

أ.د فاطمة الزهراء سالم محمود مصطفى

أستاذ أصول التربية والسياسات التعليمية

كلية التربية جامعة عين شمس

واحدة من أهم المهارات العقلية على مر العصور، مهارة التفكير الناقد،والتى عنى بها جل الفلاسفة ،والعلماء ورجال الدين ،والفقة لتفسير كافة المقولات ،والكتابات ،والمؤلفات، والخطب، وإخضاعها للتحليل النقدى العميق .

وقد شب المحيط الشرق أوسطى منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى وقتنا هذا على أحداث متسارعة سياسية ،واجتماعية،وثقافية ،ومعلوماتية ،ودينية تجعل عملية التفكير الناقد مسألة حتمية ،وضرورية .

ومع أن النقد أضحى ضرورة لفهم العالم ،وتحليله، إلا أنه لم يعد بالأمر اليسير بل تشابكت ،وتعقدت أدواته إذ لم تعد كافة المعطيات ،والأدلة راسخة ،وساطعة سطوع الشمس، وإنما البحث عما وراء الأسباب والأدلة المنطقية ،والشواهد العينية ،وإعمال العقل للإستدلال على النتائج النهائية المنصفة دون تشويه أو الإرتكان إلى أسباب واهنة نتيجة التحليل النقدى الهزيل للأسباب الظاهرية دون التعمق والبحث فيما وراء الأحداث والمشاهدات والمقولات والخطابات .

على هذا الأساس باتت مدارس التحليل النقدى معروفة ،وجلية وتزداد يوماً بعد يوم فى كتابات الثقات، والمفكرين،ورجال العلم، والمشتغلين بالبحث عن الحقيقة .

وباتت مدارس النقد الواعية التى ترمى إلى الإصلاح لا التدمير أو إحداث الفوضى سواء كانت لكتاب بعينهم ، أو صحف مرموقة ،وتتمتع بمصداقية ،وشفافية النقد والتحليل ،وعرض كافة الرؤى المؤيدة والمعارضة، أو مؤسسات لعرض مؤلفات لنقاد مشهود لهم بقوة الحجة ،والفكر الرصين الموضوعى .

وتعد العديد من الصحف العربية الدولية الراسخة من أهم مدارس الفكر النقدى الرصين فى شتى موضوعات ومجالات الحياة، إذ تتطرق للشأن السياسى بعرض أطروحات ،وأفكار نقدية تحمل كلا الوجهتين المؤيدة والمعارضة ،وعرض مختلف الحجج القوية لكلا الطرفين، كما تقدم بإستنارة متميزة أطروحات تقدم الحلول والبدائل للمعضلات ،والأزمات السياسية إما بالقياس على مواقف ماضية مشابهة، أو بتحليل للواقع جيد ، أو بنظرة مستقبلية رامية إلى الإصلاح والتطوير المستقبلى، وهذا ليس فى الشأن السياسى فقط ،وإنما أيضاً فى ميادين العلم والفلسفة والثقافة والفنون والآداب . وهذا العرض الموضوعى جعل تلك المؤسسات راسخة لعشرات السنوات، وجعل لها مصداقية فى الداخل والخارج .

فى هذا الصدد يعد التفكير الناقد،والتحليل العميق أدوات من أجل استمرار الكيانات،والأفراد ،والدول أيضاَ، لما تتطلبه تلك الأدوات من فهم للحياة العصرية، واكتساب الخبرات فى لعب الأدوار،وتبادلها ،وتداولها بين البشر. أى أنه لا يوجد عمل عقلى ناجح إلا بالنقد ،والتحليل ،واستدامة المساءلة عن الأدلة ،والشواهد المنطقية .

كما تكمن النزعة النقدية فى تشكيل البنية العقلية للإنسان المصرى، التى ترسخت فيه لتبرز معالم هُويته المصرية. وتسربت تلك النزعة للبسطاء من المصريين فى أنماط تفكيرهم ،فعندما نجرى حديثاً لنعرف آراء عامة الناس داخل الميادين ،والشوارع ،والأزقة نسمع أفكاراً نقدية ،وتحليلات من واقع الحياة الخبروية بعيداً عن التعقيدات،والكتابات ،والمراجع وغيرها من الوثائق لاستبيان الأدلة والحقائق، وهذا يدل على أن نسيج المجتمع المصرى يحمل رؤية بداخله، تبزغ عند وضعه موضع الإهتمام والقيمة ، وطلب وجهة نظره .

ويزداد النقد والتحليل والعمق فى التفكير مع العلم ،والبحث ،والدراسة من أجل استجلاء حجج وأدلة واستشهادات قوية ،ولها أصول ،وعلم ،وتاريخ ،وركائز .

لذا ندعو المجتمع المصرى بكافة أطيافه لممارسة التفكير النقدى، والنزعة النقدية المتوازنة ،والعقلانية المرسومة على علم ،ونهج فكرى رصين، وتستند إلى ركائز، وأصول، وسياسات ماضية ،وحالية،ومستقبلية .

هذا من أجل مزيد من الفهم والإستيعاب ،والحوار المسئول المتمدن المؤسس على نزعة نقدية تبرز هوية الإنسان المصرى .

fatmasalem@edu.asu.edu.eg

 

 

 

 


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com