عمقها وغرابتها وتعقيدها يدفعك للوقوف في لحظة صمت طويلة. تحاول معها الولوج لدواخلها الشائكة والتي هي مزيج من معتقدات ورواسب وأفعال ومخير ومسير … وغرابة الأطوار التي يتبناها الكثير من الأشخاص هي خلاصة مفاهيم مخزنة داخل أروقة الذاكرة وأجنحة الرئتين وسلاسة الكبد وغيظ الطحال وخاصية (الكاوتش ) في عضلات القلب وبواعث الخير أو الشر التي ينشأ عليها … فكما قسمها البعض من كتب التفسير والمستنبطة من القران الكريم فهي إما النفس اللوامة اوالنفس الأمارة بالسوء أو المطمئنة.
ومع محاولة الفهم الجادة نجد أن المعني هنا أن النفس واحدة ولنا مطلق الحرية أن نجعلها لوامة على ذنوب فعلناها أو لوامة على رزق غادرنا أو منصب ذهب لغيرنا وهذا ليس من خلق المؤمنين بالله والواثقين في رحمة الله ….
أو تكون نفس أمارة بالسوء تدعو وتوسوس بالإثم بعد الإثم …
وماأدراك حلاوة النفس المطمئنة الهانية القانعة .. ويزداد الخير في النفس المطمئنة و الملك ( بفتح الميم) قرينها وبالطبع يكون الشيطان قرينا للنفس الأمارة بالسوء .. ولم يسعفني الحظ كثيرا للتعرف على هذه الشخصيات ( أصحاب النفوس المطمئنة الواثقة بالله ) وفي داخلي قناعة أن سبب ندرتهم هو أنهم محاربون في كل الإتجاهات فيختارون المكوث داخل أستار المنزل في ركن دافيء يلوذون عن المكاره بطيب خاطر ونفس زكية لاتريد أن تدنس سلامتها بجراثيم شياطين الإنس فالصوت الأقوى والمسموع حتما في هذا الزمان للروبيضاء ..
ولقد عاصرت الكثير من الشخصيات المبعثرة . منهم من نجح في أن يزرع داخلي تساؤلات عن تربيته ونشأته الفاضلة وهؤلاء القلة القليلة … وأخرون أقضوا مضجعي بين يمنة ويسرى أحاول ترجمة سبب هذا الحقد الدفين والفهم العقيم لسلامة وصلاح النفس …فهم تارة في صراع داخلي يعكس على الأخرين بالإسقاط الظالم أو هم في حروب خارجية مع كل من حولهم للبقاء وللوصول الأسرع وبكل الطرق إلى المال والمتاع الزائل والمغانم .. وقد يصل بهم الامر إلى عقد الذهان فيتناولون العقاقير المسكنة رغبة في النوم ليقضوا بها على أي محاولة من الضمير لإنعاش النفس المطمئنة … فالكذب بابهم والمرواغة ردائهم والغلظة إزارهم والدسائس سلاحهم والتقية شعارهم .
في إحدى سفرياتي في سن مبكرة (حيث أني أهوى السفر وحيدة لأستجمع بعضا من البعثرة الذهنية التي تصيبني جراء ضجيج المدن الصاخبة وثقل المسئوليات وهي عادة نشأت معي منذ حداثة سني) … وعودة إلى النفس البشرية كانت السيدة التي تجلس بالمقعد المجاور في الطائرة العائدة من مدينة الضباب إلى زخم وحرارة جدة تحاول خلق حوار لطيف معي وكان يجوارها ولدها الشاب يرتدي لبس الإحرام … لفتني فيها سرعتها البديهية وهي تعقب على كلامي قائلة لولدها ( لاحظ أنها مبتسمة طوال الرحلة ماشاء الله يبدو أنها سعيدة ولا شي يعكر صفو حياتها ) ….. لا أذكر لو كانت الحياة بهذا الصفاء فماشاهدته وأثار دهشتها هو مجرد إنعكاس للنفس المطمئنة حينها.. ِ والحمد لله
بقلم : د. نادية بخش
This site is protected by wp-copyrightpro.com