Latest News
*اليوم .. وحنين الأمس*
02 نوفمبر 2025
0
3465

*بقلم : زامل عبدالله شـعراوي .*

في حضن كل لحظة تشرق ذكرياتنا فتجعل من الماضي ربيعًا للحاضر ومع تقدّم العمر نجد أنفسنا أكثر ميلًا للحديث عن الأمس ، وكأنّ الحاضر يتلاشى تدريجيًا من بين أيدينا ، فيما يزداد الماضي بريقًا في ذاكرتنا ، نستعيد الأيام القديمة كمن يشاهد فيلماً عزيزًا لا يُعرض إلا في ذاكرتنا ، نتذكر تفاصيل صغيرة مواقف عابرة أصواتًا وضحكات كنا نظنها عابرة فإذا بها تخلّد فينا ، نسأل أنفسنا لماذا يشدّنا الحنين إلى الوراء؟
أهو لأن الماضي كان أجمل فعلًا أم لأننا تغيّرنا نحن وفقدنا تلك النظرة البريئة التي كانت ترى الجمال في كلّ شيء؟
الحنين ليس شعورًا عابراً بل نداءٌ خفيّ يأتي من أعماق الروح لحظةٌ يتوق فيها القلب إلى زمنٍ لم يعد موجوداً ، لكنه ما زال حيًّا في ذاكرتنا ، حين نسترجع ماضينا لا نراه كما كان تمامًا ، بل كما أحببناه أن يكون فالماضي حين يعود في ذاكرتنا يعود أجمل ، لأننا نُعيد صياغته بعاطفةٍ تختار ما يلامس القلب وتُقصي ما يؤلم.
وربما لم يكن الماضي أجمل من الحاضر في جوهره ، لكنّنا نحن كنّا أجمل فيه: أبسط، أصدق أكثر امتلاءً بالحياة ، كانت قلوبنا خفيفة تُصدّق الوعود وتؤمن بالأحلام وكانت سعادتنا تنبت من أشياء صغيرة أما اليوم رغم اتساع العالم من حولنا تضيق المسافات في داخلنا فالتكنولوجيا قرّبت كل شيء إلا قلوبنا ، فاصبحنا نحيا اللحظة بأجسادنا دون أرواحنا ، ثم نرتحل إلى الذكريات نستجدي منها إحساسًا فقدناه.
الذكريات ليست مجرد ماضٍ يُستعاد بل حياةٌ ثانية تُبعث فينا حين نغلق أعيننا. إنها الدليل على أننا عشْنا بصدق، وضحكنا من القلب ، وبكينا لأننا أحببنا بعمق. ولولاها لما عرفنا معنى الامتنان لما كان ولا أدركنا قيمة اللحظات التي مرّت دون أن ننتبه لجمالها.
الحنين إذًا ليس ضعفًا ولا هروبًا من الواقع بل هو وجهٌ آخر لإنسانيتنا، تعبيرٌ عن وفائنا لما شكّلنا وجعلنا ما نحن عليه اليوم ، نحن لا نشتاق إلى الأزمنة بقدر ما نشتاق إلى أنفسنا كما كنّا فيها، إلى براءتنا الأولى، وإلى القلوب التي كانت تنبض بلا خوف، وإلى وجوهٍ رحلت وتركت خلفها دفئًا لا يُنسى.
وفي النهاية، لا يمكننا أن نعيش في الماضي لكنه يسكننا ويرافقنا مثل ظلّ خفيف يذكّرنا بأنّ في داخل كلّ واحدٍ منّا زمنًا لا يشيخ وطفلًا لا يكبر وذكرى لا تموت ، فالذكريات ليست عودةً إلى الوراء بل امتدادٌ للحياة داخلنا نتمسّك بها حين يبهت الحاضر لنظلّ قادرين على الحبّ والابتسام والحنين.
*وقفة:*
ليست الذكريات ما توجعنا بل إدراكنا أنها كانت حياةً كاملة مرّت ولن تعودومع ذلك نحيا بها لأنها آخر ما يربطنا بجمال الدنيا وصدقها، لكنّ الأجمل أن ندرك أن الواقع يمكن أن يكون أجمل إذا فتحنا قلوبنا لما هو آتٍ كما فتحناها لما مضى .


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2025 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com