تعويذة الحب، ما الذي نريده من الحب ومالذي نبحث عنه ؟؟
هل هو الشعور بالوحدة و الخوف من المستقبل !! أتراه حاجة النفس الإنسانية التي أُسِسَتْ منذ بدء الخليقة مع الفطرة البشرية !! أم أنها عادة جرت عليها الناس منذ القدم.
إن كان الأمر كذلك، فلماذا نحبهم و نحلم بهم و نعيش الحياة على قيدهم، ثم ببساطة نجرحهم، و نتركهم خلفنا مع كم هائل من أشباح الذكريات التي تسكن خلوتهم نهاراً و تَقُضُّ مضجعهم ليلاً.
و إن كان من أحببناهم يبحثون عن نفس المشاعر التي تتحقق حال وقوعهم في الحب معنا .. فلماذا بعد فترة يفقد الحب كل بريق تركه لدينا في البداية!!
لماذا يعترينا الخوف و يصيبنا بإعاقة مؤقتة ننتظر فيها جراحنا حتى تشفى !! و ماذا عن ردوود أفعالنا في العلاقة، هل تعتمد على حالتنا النفسية حال وقوعنا في الحب ؟؟ أو على تفاصيل الشخصية التي أحببناها، أم على تكوين شخصيتنا الداخلية !!
و ختاماً حصيلتنا من هذه التجارب.. هل تتفاوت درجات بإختلاف قوة العلاقة !! أو بإختلاف الظروف المحيطة بنا آنذاك؟؟
و في حال إنتهت تلك العلاقة و ترك كل منا الآخر.. كم من الوقت تحتاجه قلوبنا حتى تَسْمَع إستغاثة دقاتها، و تَعُوُد لتلبي إحتياجاتها مرة أخرى.. و هل تتحلى بالجسارة الكافية لخوض التجربة مرةً أخرى .. فتدق من جديد لإبتسامتهم، و تتخايل طرباً حين سماعها لأصواتهم !! و هل لديها القدرة حتى تبني, تحتوي, تعشق من جديد و ترقص بإحتراف على سلم الحب الموسيقي !! هل تملك الطاقة الكافية كي تُجْرَح وتبكي و تحزن مرةً أخرى ؟؟
كم هو غريب ذاك الشعور المسمى بالحب .. جريء يأتي دون إستئذان، واثق الخطى يصيب هدفه دوماً، يمشي في الأرض مرحاً، يختال ملكاً، يرى نور تاجه نصلاً يشق عتمة ظلماتنا السرمدية على رؤوس العاشقين فينا .. إحساس يهديك أجنحة الطيور، يجعل الأفق مداك، و السماء مدارك, يرسم تلك البسمة التي تظهر على وجهك فتوحي للآخرين بأن قدميك ليست على أرضٍ ثابتة، و تبوح بأفكار عينيك لكل عاشقٍ مثلك، فتتغير ألوان حياتك بلون كل فصل من الفصول الأربعة، ألواناً لم تعهدها من قبل، فيأتيك ربيعك طلقاً من شدة حسنه يكاد أن يتكلم، و صيفك مشرقاً فرحاً بزرقة البحر فيه، رماله مكسوة بالذهب من أشعة شمسه، أما خريفك فتموت فيه ألآمك و تسقط فيه أوراقك الحزينة، لتنمو عوضاً عنها أوراقٌ بها حياة جديدة.
و دائماً الشتاء مسك الختام .. شتاؤك ناصعٌ بياضه كثلجه، كتابك لتجديد المواثيق على صفحات بيضاء لسلسلة من المغامرات القادمة .. و تمسي لحروف خواطرك في اللغة معانٍ مختلفة تَنْظُم بها قصائدك، لم تُتَرْجَم في معاجم العشق سابقاً.
و في ذات الوقت .. هو نفس الحبل الذي يلتف على رقبتك فيصيبك بإختناق، لو شعرت في لحظة بأن هناك شخص آخر غيرك يأخذ حيزاً ولو القليل عند من تحب، أو تهافتت عليك أحاسيس تُقْصِيكَ بعيداً عنه فتفقده، و تَحِّلُ الطامة الكبرى لو إعتصر قلبك وجع الغيرة مِنْ جميع مَن حوله، و سيطرت عليك رغباتك السادية في تملكه بحقوق عشقٍ حصرية، لا يستطيع قرائتها إلا من زاره العشق في منامه وتجلى له واقعاً يحياه .. عندها فقط ستغرق في بحر شكوكك، و تتكسر أشرعة وجدانك على أمواج شواطئها التي تجدد أوجاعك كما تجدد حضورها لزيارة رمل تلك الشطئآن.
كيف لنا أن نعيش كل هذه الأحاسيس المؤلمة فقط لنعيش حالة من الحب ؟؟ و كأن الحب أكسير الحياة، أعراض الحرمان منه أجبرت جميع الشعراء أن ينحنوا لها إحتراماً، و يقفوا على أطلالها تقديراً لهول الحنين .. و عجزت أدوية الطب إجمالاً عن علاجها، و صفق لها علماء النفس لتفردها، كأنها طلسم من طلاسم الحياة، يحتاج لفرعونٍ و قارئة كفٍ من ذاك الزمان حتى تبيح أسراره.. إنه تعويذة جميع العصور، بدئاً من زمن قابيل و هابيل مروراً بعصر كليوبترا و أم كلثوم و وصولاً لعهد الفيصل والبدر.. التعويذة الوحيدة التي لن يجود الزمان بمثلها..
بقلم: غادة طنطاوي
This site is protected by wp-copyrightpro.com