جولة في صدر حارس أمن! | أحمد الهلالي
24 نوفمبر 2016
0
85239

أعلم يقينا أنه لم يبق في جعبة الدمع إلا ماء كرامتك الإنسانية، وأعلم أنك تجاهد كغيرك ممن تسحقهم الحياة أن تسد على ذلك الماء الحار كل المنافذ كيلا يتسرب من مسام تذمراتك، فلا أقسى من العوز، والشعور بالامتهان إلا جبال المسؤوليات الملقاة على كتفيك المتعبتين.

عزيزي: كلما مررت بك في (سوق أو بنك أو مؤسسة) أسمع احتدام اللظى، وأزيز السؤالات المرة في أعماقك، فأنت الواجهة المهمشة للأماكن، وعنوانها العصي على الزخرفة والرفاه، فحين يجلس الجميع أنت الوقوف، ويتدفأ الجميع فأنت البرد، ويتبرد الجميع فأنت القيظ، ويتظلل الجميع فأنت الشمس، ولهم كراسي الديباج ولك الخشب المتهالك، ولهم الغرف الواسعات ومكانك الصفيح، تظل سؤالاتك موارة، وروحك القاحلة عطشى لغيمة إجابة مستحيلة.

أعلم أنك تحرس المليارات بأمانة ومسؤولية، وأن السيارة (المتهالكة) الواقفة بين بريق جاراتها ليست لأحد غيرك، وأن (شنطتها) الممتلئة بأسلاك (الاشتراك) والبطانيات والوسائد القديمة وقطع (الموكيت)، وربما صفائح الماء، وصحن قديم تفرش على بطنه السفرة حين يأتي زميلك بـ(الرز البخاري)، على حالها من أعوام، وأعلم أنك لا تملك سوى تلك العصا السوداء التي لا يخشاها (القط) المراقب لسفرتك الفقيرة، لا فرق بينكما وقد جمعكما الجوع؛ إلا أنه يتدفأ تحت حرارة محرك سيارة، وأنت تراكم أعضاءك على بعضها لتجد بعض الدفء.

أعلم أيضا يا صديقي أنهم يقرعونك، ويكتبون عنك التقارير الطويلة، وتبادر الشركة إلى (حسم مرتبك) الضئيل، لأنك حضرت ببدلة مجعدة، أو نسيت أن تمسد (الكرفتة)، أو وقعت على بنطالك قطرة من الشاي الذي تشربه واقفا، أو ربما خان مقاس (الجزمة) أصابع قدميك، فخرج أحدهما حين أرهقته جواربك المنتنة، أو نسيت زوجتك أن تلمعها في زحمة بكاء أطفالك المتحرجين مما يملك زملاؤهم في المدرسة وليس لهم مثله، فالشركة التي تأخذ على اسمك أربعة أضعاف ما تعطيك، لم تفكر في آدميتك للحظة، والمشغل المستفيد من خدماتك لا يراك إلا ورقة يجب أن تكون صالحة للكتابة، أو على جالبها استبدالها بأخرى.

وليتني لا أعلم أنك شماعة الأخطاء، ومنفى اللوم والتقريع، فالعميل ليس على حق في كل مكان، إلا حين تكون أنت على علاقة بالأمر، فربما تحظى (بغمزة) من المدير (الإيجابي) كي تتقبل طيش كلماته الاعتذارية من العميل، صاحب نظرة التشفي الحمراء، فأنت أيها (الرجل المتخشب) يجب أن تنظم وأن تحمي وأن تبتسم للجميع، يجب أن تتجرد من بشريتك ولا تشعر (بالتعب ولا بالفقر ولا بالامتهان)، وفوق هذا يجب ألا (تنفعل) من وقاحة الذين لا يرونك حتى في قائمة (الحشرات).

لا تبك يا صديقي، فالزمن المر لا يلتفت للباكين، ولا يتوقف لالتقاط المتعبين، فقف على قدميك شامخا، حتى لا تدوسك عجلة البؤس أكثر، طور ذاتك، وانج مما أنت فيه، حتى تكون (أنت) بآدميتك الحقة، بعيدا عن امتهان المصابين بلوثة (المال) وتعالي (الأنا الفارغة).
الكاتب احمد الهلالي 

alhelali.a@makkahnp.com


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com