مضى عام كامل بكل ماتخلله من أحداث سواء كانت مفرحة أو محزنة ، مضى وطوى صفحات كثيرة عشناها كلاً حسب ما مرت به من ظروف فهناك من فاقت صفحاته غيره ، وهناك من اقتصرت صفحاته على أحداث معينة حصرها في مواقف كان وقعها أخف من غيره ، وهناك من كانت صفحاته مزدحمة فأخطأت الأيام من كثرة العد والإعادة لتحصيها ، لكنها كلها مضت مع العام المنصرم .
ومع رحيل العام من المؤكد أننا تعلمنا ، كبرنا ، نضجنا ، واستوعبنا وهذا الأهم ، استوعبنا أخطائنا فيمن رحل لنتفادها في القادم ، استوعبنا ما جنيناه اتجاه أنفسنا ، فكل ما نحن فيه صنع أيدينا .
مع رحيل عامٍ أخذ معه ذكريات عديدة منها المفرحة والتي ستظل في مخيلتنا ونبتسم عند مرورها العطر ، ونرفع أعيننا مع تلك الإبتسامة للسماء لندعو لمن كانوا سبب هذه السعادة في هذه الذكرى ، وذكريات مؤلمة نود ألا يعود طيف أصحابها فقد جعلوا لأيام العام الماضي عتمة موحشة بداخلنا نظراً لما سقونا من وجع وألم جعلنا نتمنى مرور الأيام سريعاً حتى تنزاح تلك النكبات في أعمارنا من هؤلاء الأشخاص .
العام لا يقاس بالأيام إنما بمن كان له بصمة فيها من عايشناهم ، من جعلوا منا نقولها وبعفوية : أجمل عام الذي كان فيه ، ونذكر تلك الأحداث السعيدة ومناسباتها .
وفي الجانب الأخر ما أوجعها من لحظة عندما نقول : أسوء أيام مرت علينا عام .. ، ونتذكر تلك الخيبات والألم الذي عشناه مع كل ثانية ، مع دقائق وساعات يوم ذاك العام .
نعم رحل عام ١٤٤٠هـ ، وهاهي تباشير أول أيام من عام ١٤٤١هـ تهل علينا ، منا من أغمض عينه على ذكرى مؤلمة ويحاول أن يتخيل وهو في ظلمة عينيه بالعام الجديد أنه سيكون أجمل وألطف فثقته بالله (إن بعد العسر يسرا) ، ومنهم من تزداد ابتسامته لطمعه في كرم الله أن يكون العام الجديد مكملاً لكل تلك الأفراح التي حظي بها في العام الراحل .
عام يمضي وعام يأتي ونحن نتذكر وقد نتألم وقد نتأمل وقد نأمل احتمالات كثيرة ، لكن لابد أن نستوعب أننا نحن من نرحل مع الأعوام وكلما انصرم عامٌ كلما بدأ العد التنازلي لرحيلنا .
فلابد أن نستوعب أن الألم الحقيقي في ذكرياتنا لعام مضى هو تقصيرنا في حق الله وحده وحق أنفسنا ، في إنهاكها وتعريضها لمواقف مع أناس لا تستحق فتبدأ بالوهن ويرحل بريقها قبل أوانه .
الألم الحقيقي في فوات الآوان ، في إستسماح من أخطئنا بحقهم من أوجعنا قلوبهم ، من كنا سبباً في دموعهم ، من كسرنا ثقتهم وأملهم فينا وفي الحياة من حولهم ، وفات الأوان لإستسماحهم فقد رحلوا ، فالموت لا ينتظر كبرياء الانسان الهش حتى يرجع حقوق غيره التي اغتصبها بجبروته وظلمه في اقتحامه حياة الغير ليوجععم ، وإن ادعوا أنها بغير قصد .
فعذراً ، كلاً منا يعرف ما يفعل لذلك كل شيء مقصود أو بالأصح كل شي واضح أمامنا في اغتصاب راحة بال الاخرين .
الألم الحقيقي عندما يفوت الأوان في تركنا لفرص كانت أمامنا في فقد أشخاص كان لهم أثر المواصلة للعام الذي يليه في قطار الحياة ونحن يداً بيد ، نبني أنفسنا ونرسخ في الحياة قيم جميلة للحب والتعايش .
رحل عام وأتى عام ونحن ما زلنا نتوه في محطات الحياة ، ونغفل أن رحيلنا أصبح قاب قوسين أو أدنى .
كل عام ونحن إلى الله أقرب .
كل عام ونحن مع أنفسنا وقلوبنا أكثر إنصافاً .
كل عام ونحن نستشعر معنى الرحيل لعام كامل ، ونتأمل رهبة القدوم لعام قادم ، ونستوعب عجلة الزمن وهي تدور وبشكل سريع .
بقلم الأديبة الإعلامية : د. وفاء ابوهادي
رئيس مجلس إدارة شبكة الاعلام السعودي
This site is protected by wp-copyrightpro.com