يتمثل التحدّي الأكبر في رحلة الحج في كيفية التعامل مع الحشود البشرية، مما يشكل ضغطاً على جميع المرافق في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، فتعمل الجهات المعنية بكل طاقاتها على إدارة جموع الحجيج من خلال منظومة شاملة، يتحقق من خلالها الترابط والتكامل والتناسق بين العناصر الرئيسة التي يقوم عليها التفويج، بهدف تنظيم انتقال الحجاج من نقطة إلى أخرى عبر جميع مراحل الحج.
ونسبة لتوافد ملايين الحجيج كل عام تجاه الأراضي المقدسة، كان لا بد من وضع خطط فاعلة لإدارة تلك الحشود والتعامل معها، وهو ما نجحت فيه المملكة بامتياز، وجعلها محط أنظار وسائل الإعلام والدول والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية، ولها سجل مشرّف من البذل والعطاء في تحقيق سبل الراحة والسلامة للحشود البشرية في البلاد المقدسة، من خلال تطوير منظومة شاملة تحقق رؤية المملكة 2030 لتغطي جميع مراحل رحلة الحج والعمرة، وتمكن من استيعاب التطور في أعداد الحجاج والمعتمرين، وتأخذ في الحسبان التغيرات المستقبلية المتوقعة في منظومة الحج والعمرة بجميع أبعادها التخطيطية والتنظيمية والتشغيلية والرقابية والتشريعية والتقنية والإدارية والتوعوية وغيرها.
ونجاح المملكة في هذه التجربة المتميزة يعود لتوفيق الله عز وجل أولاً ثم بفضل ما تسخره حكومتنا الرشيدة من خطط واستراتيجيات وما تجند له من طاقات وإمكانات من أجل توفير مظلة الأمن والأمان والراحة والاستقرار للحشود الكبيرة التي تفد إلى الديار المقدسة من مشارق الأرض ومغاربها، ولا تزال تعمل بكل جد وإخلاص، منفقة في ذلك مليارات الريالات، وباذلة أقصى ما يمكن من الجهود في سبيل تقديم المزيد من الرعاية لوفود الرحمن وتحقيق اليسر لهم في جميع مناسكهم.
ولأن إدارة الحشود البشرية أصبحت علماً وفن، استحدثت جامعة أم القرى من خلال إنشاء قسم بكلية إدارة الأعمال لإدارة الحشود والذي سيظهر أثرها قريباً إن شاءالله في تخريج دفعات من طلاب العلم المتخصصين في هذا المجال.
أخيراً لا يفوتني الإشارة إلى النجاح الذي حققته المملكة في إدارة حج العام الماضي الاستثنائي الذي فرضته جائحة فيروس كورونا، من خلال إدارته بكل احترافية، وهو ما يجعله نموذجاً للاستفادة منه في إدارة مواسم الحج والعمرة القادمة، ويبقى عمل بلادنا المباركة تجاه تطوير منظومة الحج والعمرة بشكل عام، وعملية النقل وإدارة الحشود على وجه الخصوص، هو مبعث فخر واعتزاز في نفوس جميع القائمين على خدمة وراحة ضيوف الرحمن، فليهنأ كل من أدى واجبات دوره على أكمل وجه بتقدير الوطن وراحة الضمير.
بقلم : خالد بن صالح العامودي
* مستشار مالي وخبير في التحول المؤسسي
bagader.ks@gmail.com
This site is protected by wp-copyrightpro.com