أصبحنا نعيش في زمن الآليات..
نستيقظ يومياً على منبَهات هواتفنا المحمولة، فلم أعد أذكر متى كانت آخر مرة استخدمت فيها ساعة المنبه أو رأيتها في مكان؟
هل مازالت تباع في الأسواق؟
وما أن نستيقظ حتى نأخذ بالبحث في هواتفنا وكأننا ننتظر خبراً مصيرياً يتعلق بحياتنا أو أن العالم متوقف علينا..
نرتدي ملابسنا، ونركب سياراتنا، ونطلب من الهاتف إيصالنا إلى وجهتنا، وحساب الوقت المستغرق، وإن كان الطريق سالكاً أم لا، ونطلب منه تشغيل ما نود سماعه حتى نقتل الوقت ونصل..
قد نمر على مقهانا المفضل، وندفع أيضاً بذات الجهاز المحمول..
ويبدأ يومنا في العمل..
نأخذه معنا لإجتماعاتنا المملة ونعبث به في وقت الفراغ..
تهرع حواسُنا عند سماع أصوات التنبيه ونقاوم النظر إليه إن انشغلنا بشيء آخر.. وحتى بدون تنبيهات لا نفتؤ أن نتفقده لعلَه قد فقد هذه الحاسة المهمة وأنه قد فاتنا أمر جلل!
يصيبنا الحزن إذا بدأ يفقد بطاريته، ونسرع في إسعافه بشتى الوسائل فتجد في كل مكان وسيلة إسعاف ثابتة ومتنقلة حتى لا يفقد حياته وكأن حياتنا أصبحت مرتبطة بحياته!
ولا يفوتني أن أعرَج على (بعض المشاهير) الذين كانوا يوماً ما أناساً عاديين يتلقٌون الإعجاب والتأييد من الأهل والأقارب والأصدقاء والدوائر المقربة التي وإن كثر عددها لا تتجاوز المئات، فإذا بهم أصبحوا لا يرضون إلا بآلاف الإعجابات وإلا أصابهم الإحباط والخذلان..
نجد أن سلوكهم قد تغير للأسف في حقيقة تعاملهم البشري، وأن ما يكتبونه في صفحاتهم أحياناً ماهو إلا كلاماً في الفضاء، لا ثقل له..
ويأتي المساء.. وقد أنهكنا بأعمالنا وحياتنا وهذا الجهاز يرافقنا ويساعدنا بإعطاء المعلومات الضرورية عن الطقس، ومواعيد الصلوات، والقبلة، ونتائج المباريات، والأخبار، وأي معلومة نحتاجها أو لا نحتاجها، فهو دائماً ما يتبرع بإعطائنا المزيد بناءاً على دراسة دقيقة وفهم عميق لما يستهوينا!!
ثم نهجع إلى مخادعنا، ونطفئ الأضواء، ولكن ضوءاً واحداً لا ينطفئ، فنظل ننظر إليه بحجَة أنه قد يساعدنا على النوم، أو أننا نستدرك مافاتنا خلال اليوم، ويأخذ منَا ساعات أخرى لا نكاد نحس بمرورها حتى يسقط من أيدينا دون أن نشعر، أو نستدرك ذلك قبل لحظات، ونضعه بأمان في الشاحن حتى نضمن له حياةً طويلةً في الغد..
وقد نفزع من نومنا أو نقوم بدون سبب فنجد أننا نهرع للإطمئنان عليه وعلى أنفسنا بأن ضجيج الحياة لازال مستمراً!!
حتى يوقظنا في اليوم التالي مرة أخرى ونلهث لتعويض ما فاتنا في ساعات النوم ونعود لحياة الآليات..
ولا أقصد هنا بالآليات طبعاً الهواتف المحمولة!
د. ندا الزايدي
استشارية الطب النفسي
This site is protected by wp-copyrightpro.com