سلطان سعيد – ش ا س
وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الرياض في مايو 2025 في زيارة وُصفت بأنها الأهم منذ بداية ولايته الجديدة إذ لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية بل حملت في مضمونها إعادة صياغة للعلاقات الأمريكية السعودية من بوابة الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة الإقليمية وشكّلت نقطة تحول بارزة في العلاقات الثنائية السعودية الأمريكية وكذلك تحولًا استراتيجيًا في توجهات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
الاستقبال الملكي كان حافلًا بكل المقاييس ليس فقط من حيث المراسم الرسمية بل من حيث الرسائل السياسية التي حملتها الضيافة الاستثنائية إذ اختارت الرياض أن تبعث برسالة واضحة مفادها أن التحالف مع واشنطن لا يزال ركيزة من ركائز تحالفها الاستراتيجي واقتصادها وأمنها واستقرارها
منذ لحظة وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض تم استقبال ترمب من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصيًا في مشهد يعكس الأهمية التي توليها القيادة السعودية لهذه الزيارة عكست عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وأكدت على مكانة السعودية كلاعب إقليمي وعالمي وصانعة قرار
ولم تقتصر الحفاوة على الجانب الرسمي فقد حرصت السعودية على إظهار بعد ثقافي وشعبي في الاستقبال إذ تم إعداد مجلس تراثي داخل قصر اليمامة خصص للقاءات ترمب مع القادة المحليين كما أضيئت ناطحات السحاب في العاصمة بألوان العلم الأمريكي في لفتة رمزية قوية
كذلك من أبرز مفاجآت الضيافة كانت توفير شاحنة ماكدونالدز متنقلة بالقرب من مقر إقامة ترمب إشارة ذكية إلى ذوقه المعروف وتعبير عن حرص الرياض على الاهتمام بأدق التفاصيل الشخصية للضيف
وفي كلمته الترحيبية أكد ولي العهد أن المملكة تنظر إلى هذه الزيارة باعتبارها لحظة مفصلية في تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة معربا عن أمله في أن تؤسس لفصل جديد من التعاون الشامل بينما عبّر ترمب عن امتنانه العميق لما وصفه بأكثر استقبال حافل شهده في حياته السياسية.
في المجمل تعكس الحفاوة السعودية بالرئيس الأمريكي أكثر من مجرد بروتوكول رسمي فهي رسالة سياسية إلى الداخل والخارج تؤكد التزام المملكة بتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة واستعدادها للعب دور محوري في إعادة رسم مستقبل المنطقة من بوابة الاقتصاد والتكنولوجيا والتفاهم السياسي
اقتصاديًا كانت الزيارة أشبه بقمة استثمارية كبرى حيث أعلن الجانبان عن اتفاقيات تتجاوز قيمتها 600 مليار دولار في مجالات الطاقة والتعدين والدفاع والتكنولوجيا وذكرت المصادر أن حجم الاستثمارات المتوقع خلال العقد القادم قد يتخطى حاجز التريليون دولار مما يضع هذه الزيارة في صدارة الزيارات الثنائية من حيث العائد الاقتصادي
وفي خطوة وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ مبيعات السلاح وافقت السعودية على شراء أنظمة دفاعية وأسلحة متطورة بقيمة 142 مليار دولار تشمل مقاتلات متقدمة ومنظومات صواريخ وبنية تحتية عسكرية حديثة وقال محللون إن هذه الصفقة تمثل تحولًا في العقيدة الدفاعية للمملكة باتجاه الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية المتطورة بشكل أكبر
لكن المفاجأة الحقيقية كانت في مجال الذكاء الاصطناعي حيث وقعت الرياض اتفاقيات مع كبرى الشركات الأمريكية منها إنفيديا التي تعهدت بتوريد أكثر من 18000 وحدة معالجة رسومية لتأسيس البنية التحتية لحوسبة الذكاء الاصطناعي في المملكة كما أعلنت أمازون ويب سيرفيسز عن إطلاق منطقة متكاملة للذكاء الاصطناعي في السعودية باستثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار إضافة إلى إعلان غوغل عن دعم صندوق بقيمة 100 مليون دولار لتمويل الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بالمنطقة
سياسيًا كان لافتًا إعلان ترمب عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا في خطوة تعكس تغيرًا في السياسة الأمريكية تجاه دمشق وجاء ذلك بعد وساطة وطلب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تلاه اجتماع غير معلن بين ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع وأكد ترامب أن على دول المنطقة أن تنظر إلى المستقبل من خلال التنمية والتكامل بدلًا من الحروب والنزاعات
أما في ما يخص إيران فقد تبنى ترمب خطابًا تصعيديًا حيث قال إن على طهران أن تختار بين “الاقتصاد أو الإرهاب” مؤكدًا أن العقوبات ستبقى قائمة ما لم تتخل إيران عن برنامجها النووي وأنشطتها المزعزعة للاستقرار
الجدير بالذكر أن زيارة ترمب هذه تختلف عن زيارته السابقة في 2017 من حيث المضمون والتأثير إذ كانت الزيارة السابقة تميل إلى الطابع الرمزي في حين أن زيارة الحالية جاءت بهدف الشراكة والمصالح الواضحة وأهداف استراتيجية بعيدة المدى مع الحليف الاستراتيجي السعودية وكذلك تتعلق بإعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة ومنافسة الصين على النفوذ الاقتصادي
في المجمل فتحت هذه الزيارة فصلًا جديدًا في العلاقات السعودية الأمريكية يقوم على الشراكة والاستثمار المتبادل والتنسيق السياسي مع التركيز على الاقتصاد والتكنولوجيا كوسيلتين للتأثير والنفوذ بعيدًا عن الأدوات التقليدية للقوة الصلبة.
وفي الختام
أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إعجابًا كبيرًا بولي العهد الأمير محمد بن سلمان مما يعكس تجدد التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية وذلك من خلال كلمته في منتدى الاستثماري السعودي الأمريكي بالرياض وصف ترمب الأمير محمد بن سلمان بأنه “رجل رائع” و”أفضل ممثل للشعب السعودي ” وأقوى رجل
مضيفًا: “أنا أحبه كثيرًا ولهذا السبب نقدم الكثير كما تعلمون؟ كثيرًا جدًا أنا أحبه كثيرًا” تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين ترامب والأمير محمد بن سلمان ليست جديدة او وليدة اللحظة إذ تعود إلى فترة رئاسة ترامب الأولى وربي يديم المحبة والعلاقات الطيبة بين البلدين شعبيا وحكومة .
This site is protected by wp-copyrightpro.com