
صالح سالم
في عالمٍ يقاس فيه الحضور بعدد المشاهدات، ويُختصر فيه النجاح بثوانٍ عابرة، ظهر سناب شات كمنصة صنعت وهمًا جماعيًا اسمه: اللحظة الخالدة، بينما الحقيقة أنها أكثر اللحظات قابلية للزوال.
سناب شات لا يمنحك ذاكرة، بل يمنحك نسيانًا سريعًا. صورة تُلتقط، مقطع يُنشر، إعجاب يُحتسب ثم يختفي كل شيء بعد ساعات، وكأن ما حدث لم يكن. وهنا تكمن الخطورة؛ إذ يتحول الإنسان من صانع تجربة إلى مستهلك لحظة، ومن صاحب قيمة إلى رقم مؤقت في شاشة.
الوهم الأكبر الذي يبيعه سناب شات هو وهم القرب. نتابع تفاصيل يومية لأشخاص نظن أننا نعرفهم، بينما لا نعرف عنهم إلا ما أرادوا إظهاره. حياة مصفّاة، زوايا مدروسة، ضحكات منتقاة بعناية، تخفي خلفها واقعًا مختلفًا تمامًا. وهكذا يُقارن المتابع حياته الطبيعية بحياة “مفلترة”، فيشعر بالنقص دون سبب حقيقي.
أما صُنّاع المحتوى، فقد وقع كثير منهم في فخ الاستمرارية القسرية؛ خوف دائم من الاختفاء، سباق محموم على الظهور، وتحوّل الشغف إلى التزام مرهق. فهنا، الغياب يومًا قد يعني السقوط من الذاكرة الرقمية، لأن الجمهور لا ينتظر، والخوارزميات لا ترحم.
سناب شات لا يصنع قيمة طويلة الأمد، بل يضخ جرعات آنية من الاهتمام، تشبه السكر: لذة سريعة، ثم فراغ. لا أرشيف يُرجع إليه، ولا محتوى يُبنى عليه، فقط تدفق لا ينتهي من القصص، يبتلع ما قبله دون أثر.
ومع ذلك، المشكلة ليست في التطبيق بحد ذاته، بل في طريقة تعاملنا معه. حين يصبح التوثيق أهم من العيش، والمشاركة أهم من الشعور، نكون قد سلمنا وعينا لوهم زائل.
في النهاية، سيختفي المقطع، وستُمحى القصة، ولن يبقى إلا ما عشته فعلًا، لا ما صورته.
فالسؤال الحقيقي ليس: كم شاهد قصتك؟
بل: ماذا بقي منك بعد أن اختفت؟
This site is protected by wp-copyrightpro.com