علق بعفوية ماكرة بعد أن استفزه صمتي الغامض، مشيرا بأصبع يده اليمنى إلى المقبرة الممتدة على جانبنا: “هذا الصمت يشبهك!”
ابتسمت بهدوء وأجبته: هذا الصمت لا يشبهني، فصمتي مليء بالألوان والمهرجانات والألعاب النارية..
هذا الصمت غريب، مريب، ومظلم لا يشبهني!
في صمتي تضيء آلاف اليراعات، وتذوب حبات البرد، وتغلي الثلوج في قمم الجبال..
وتهاجر السنونوات من فكرة إلى فكرة بحثا عن الدفئ..
في صمتي تتأرجح الحروف وتزهر، وتغني فزاعات الطيور في حقول القمح والشوفان!
هذا الصمت لا يشبهني، فلا ألم ولا آهات فيه ولا أنات!
ولا تصله أمواج البحر والأصداف، ولا حتى الغيمات والنغمات.. كل شيء فيه يحترق تحت حر الشمس، كل شيء يحترق مع جثث الأموات والذكريات..
أما صمتي فيمطر ويزهر..
يمسح عن بائعات الورد ذبول وجوههن، ويعيد لراقصات الحانات آمالهن فيهربن من قيودهن حاملن خلاخيلهن!
هذا الصمت لا يشبهني قط، ففيه صورة واحدة تتكرر، وصمتي أنا مليئ بالمرايا، كلما حدقت في إحداها رأيت وجها جديدا!
أقسم لك أن هذا الصمت لا يشبهني، ألم تسمع هدوء الموت فيه؟ وفي صمتي ضجيج مواكب الغجريات والعرائس والأسواق؟!
أسهم نظره بعدها إلى المقبرة، ثم تعمن في وجهي مليا، وغادر.. تاركا إياي مع صمتي أزهر وأمطر وأغني للمرايا والغجريات والعرائس، ثم أصمت بعدها كما الأموات!
بقلم : رانيا ربيعي
الجزائر
This site is protected by wp-copyrightpro.com