فوق المنطق | غادة طنطاوي
30 يوليو 2018
0
145134

أثناء رحلة كريستوفر كولومبوس الإستكشافية حل به التعب جراء صعوبة الإبحار و إرتفاع الأمواج، قرر التوقف في إحدى الجزر للحصول على قسط من الراحة ثم معاودة الإبحار مرة أخرى، و عندما نزل على تلك الجزيرة التقى بالإهالي فطلب منهم المساعدة و تزويده بالطعام و الماء.
لكن أهل الجزيرة خافوا و امتنعوا عن مساعدته، فلم يكن من كولومبوس الا أن يلجأ لحيلةٍ تساعده و كان يعلم بقرب حدوث خسوف للقمر، فلم يكن منه إلا أن يقوم بتهديدهم بأنه سيخفي القمر و يحجب ضوئه حتى يساومهم على الماء و الطعام، و بالفعل بدأ القمر بالإختفاء و خيم الظلام على الجزيرة. حل الرعب في قلوب الأهالي و صدقوا كولومبوس، و قاموا بتزويده بالطعام و الماء شريطة أن لا يؤذيهم و يلحق بهم الضرر.
والشاهد في تلك القصة أن البعض قد يستغل جهل الناس بحقيقة أمر ما للحصول على مبتغاه.
قال صلى الله عليه و سلم؛
“إنّ الشّمس والقمر آيتانِ من آياتِ الله. يخوف الله بهما عباده. وإنّهما لا ينكسفان لموتِ أحدِ منَ النّاس. فإذا رأيتم
منها شيئًا فصلُّوا وادعوا الله. حتى يكشف مابكم”
قبل أيام شهد العالم الخسوف الدموي للقمر، أطول حادثة خسوف كلي للقمر، و قام البعض كالعادة بترهيب الناس والسعي جاهداً لنشر معتقد خاطيء ينص على أن هذه الظاهرة الفلكية مرتبطة بكثرة المعاصي، و هذا قول يتنافى مع المنطق، متجاهلين المعنى الحقيقي للحديث، فالمراد بالتخويف هنا، هو تذكير العباد بقدرة الله العظيم على التحكم في الآيات الكونية، و حث العباد على التقرب إلى الله بالصلاة و بصالح الأعمال.
و لا يغيب عن الذكر أن هذه الظاهرة شغلت بال الإنسان منذ قديم الأزل، الأمر الذي دفع أهل بابل للتحري عن أسباب حصولها فكانوا أول من توصل لحسابات دقيقة تمكنهم من معرفة وقت حدوث الخسوف بالتقريب، و إن كان الحال كذلك يسقط سبب الخوف، فالنفس البشرية تجزع من وقوع أمور لا تتوقعها.
و يظل السؤال قائماً !! إذا ربطنا حادثة الخسوف بكثرة المعاصي هل يعني ذلك بأن السنة التي لا تشهد خسوفاً للقمر أو كسوفاً للشمس، هي سنة خالية من المعاصي ؟؟ بالتأكيد لا
و من هنا وجب التنويه و التذكير مرة أخرى بأن هناك ظواهر كونية أكثر ضرراً على الإنسان و البيئة، و إذا سرنا على منهج العقاب على كثرة المعاصي فهو أمر أدعى للمسارعة إلى صلاة تقام حين حدوث هذه الظاهرة، و لكن لم تشرع صلاة لزلزال أو لبركان كما شرعت للخسوف مما يؤكد ما ذكرته سابقاً عن المعنى الحقيقي للتخويف.
نحن لا ننكر عظمة هذه الظاهرة و وقعها في النفس، لكن فقط نسعى لتصحيح رؤية خاطئة بعيدة عن الحقيقة يتاجر بها البعض لنشر معتقداتهم الخاصة التي لا تمت بصلة لتفسير القرآن و السنة.

بقلم: غادة ناجي طنطاوي


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com