ذكر الفيلسوف الشهير “أفلاطون” في القرن الرابع قبل الميلاد عن حلمه المعروف بـ “المدينة الفاضلة” ، وهو الحلم الذي جسده في كتابه (الجمهورية)، واضعاً معاييراً محددةً لبناء هذه المدينة الخيالية على حد وصف الفلاسفة والمؤرخين، واعتبروها مدينة الأحلام الغير منطقية ومستحيلة الوجود، فهي تحمل من العدالة والفكر العلمي والنظري ما يفوق التطبيق الحي، فهو يلامس بقاع المستحيلات. إن الفيلسوف اليوناني أفلاطون قد وصف هذه المدينة الخيالية أنها شيء مختلف كلياً عن العالم، مدينة تجمع كل التطور وكل العلم تحت سقفٍ واحد، تحكمها أبعاد التقدم اللا محدود، وتجمع معها روح المعيشة اليسيرة التي تُقدم كافة الخدمات على أرقى مستوى، ويكون المواطن فيها على أعلى مرتبة من الرفاهية والمستوى الحضاري بعيداً عن التعقيد والروتين المعتاد في الكون، وفيها مظهر عمراني لا تصلح إلا في المدينة الفاضلة ، والتي لها خصائص عمرانية مختلفة تماماً عن أي فكرة في العالم، تحمل في أحيائها كل ما يشير إلى المدينة الجديدة كلياً عن كل بقعة في الأرض، منفتحة على العالم تتقبل الإنسان دون تمييز ومجتمعها مجتمع فاضل، حيثُ يشهد الزائر لها أنها مدينة مستقلة بذاتها مختلفة كلياً عن كل المدن.
إن مدينة “نيوم” التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان تحقق نظرية “المدينة الفاضلة” لأفلاطون بكل المقاييس التي وضعها، وبرأيي أنها تُعتبر نموذجاً طبق الأصل لفكرة “المدينة الفاضلة” والتي تعد من أهم الأفكار التي قدمها أفلاطون، بل وأكثرها انتشاراً بين الناس والمهتمين بدراسة الفلسفة، ولفظ “المدينة الفاضلة” وكأننا نقول اليوم “مدينة الكفاءات” تجمع العظماء والحكماء والعقلاء والتطور المجتمعي، وقد نشر أفلاطون أفكاره هذه في كتابه (الجمهورية)، إذ أضاف فيه مجموعة من التصورات حول “العصر الذهبي القادم” برأيه، وخصوصاً عندما يصبح المجتمع مثالياً بعد دراسة المشكلات الإجتماعية، ومحاولة البحث عن حلول جذرية لها، مما يُساهم في الوصول إلى مدينة أفلاطون الفاضلة. لذا يحق لي القول هنا : ليتك يا أفلاطون تعلم أن المدينة الفاضلة الجديدة ،والتي كانت من أكبر أحلامك وأعظم فلسفة علمية ونظرية قدمتها في حياتك، قد جاء وقتها الذي أشرت إليه أنه زمن “العصر الذهبي القادم” والذي قد أطلق عنانه على أرض الواقع أميرنا محمد بن سلمان.
لقد كتب التاريخ عن أساطير وشخصيات عظيمة في العصور القديمة، وهي تمثل اليوم حضارات أمم وثقافة قارات، فالصين عام 2014م أشارت إلى اعتزازها بإشارة الفيلسوف الألماني “كارل ياسبرز ” عام 1948م في عمله الرائد (أصل وهدف التاريخ)، والذي تحدث فيه عن شخصيات بارزة في العصور القديمة، والتي أثرت على التاريخ الثقافي مثل “كونفشيوس”، وأصبحت من مجرد شخصيات إنسانية إلى حضارة تتناقلها العصور، تُثبت المد الثقافي والمد التاريخي للثقافة الصينية، واعتزت الصين بأسماء أشخاصها التي ذُكرت في كتاب الفيلسوف، واعتبرته اعترافاً سامياً وشاهداً لعراقة تاريخ وثقافة الصين، فماذا سوف يُكتَب ويقال عن مدينة “نيوم” وهي في نظري محاكاة نابضة لتاريخ اسطوري عن “المدينة الفاضلة” مستحيلة الوجود، والتي كتب عنها فيلسوف عظيم في القرن الرابع له مّدَّهُ وتاريخهُ الفكري المجيد، وحققه اليوم بن سلمان عام 2017م على أرض الواقع، وينم هذا التحقيق على البُعد الفكري والعمق التاريخي في النظرة المستقبلية. كم أتمنى أن يكون المسمى الذي يُطلق على مشروع نيوم هو “المدينة الفاضلة”.
مؤمنة أنه لايولد منك شيء إلا وقد مات منك ألف شيء!
وكالة OSAS: بقلم/ رئيس OSAS الباحثة: نسرين قواص
This site is protected by wp-copyrightpro.com