ميثاق شرف | غادة طنطاوي
20 أغسطس 2018
0
97119

قال تعالى في كتابه الكريم:
” إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”.
وجود الأراضي المقدسة شرف منحه الله تعالى لأرض الحجاز بأن جعلها مهبطاً للوحي، منبر أشرقت منه رسالة التوحيد، عم نورها الأرجاء فأضاء سناها جميع الأنحاء و البقاع، و مَنَّ عليها فأصبحت قبلة المسلمين.
في هذا الشهر الفضيل من كل سنة تستقبل المملكة العربية السعودية ما لا يقل عن مليون حاج من ضيوف الرحمان لأداء فريضة الحج، تقوم بخدمتهم على مدار الساعة حرصاً منها على توفير الراحة لكل حاجٍ، فَيَنْعَم بالأمن و السلامة حتى يتمكن من تأدية فريضته بكل يسرٍ و سهولة ليستمتع بِنُسِكِهَا و يحيا شعائرها.
الأمر الذي يستدعي جميع الجهات المعنية لتخصص ميزانية كبيرة فقط لجهود تبذلها المملكة العربية السعودية في هذا المضمار، و التي لا تقف عند رعاية الحجاج داخل الحرمين الشريفين أو حتى داخل المملكة فقط.
تبدأ هذه الجهود الجبارة من سفارات و قنصليات المملكة في جميع الدول بإستقبال طلبات الحج الضخمة كل عام، إصدار التأشيرات و التصاريح اللازمة، يليها دور وزارة الداخلية في تسهيل دخول الحجاج دون مشقة أو متاعب و تسخير ما لا يقل عن نصف مليون جندي على الأقل يقومون بحمايتهم و الحفاظ على سلامتهم، ليس ذلك فحسب، بل تقع عليهم المسؤولية الأكبر بإسقاط كل محاولات الفتنة و الإرهاب الذي أصبح حدث متوقع في هذا الشهر من كل عام تقوم به دولٌ معادية لأسباب طائفية، مذهبية أو أسباب قد تتعلق بتسيس ركن فضيل كالحج لأغراضٍ سياسية بحتة لا تمت للدين بصلة.
ثم يأتي دور وزارة الحج و الأوقاف، التي تقوم بتوفير الإمكانات الهائلة لسكن الحجاج من خلال بناء فنادق أو شقق فندقية بصرف النظر عن مشروعات التوسعة العظيمة التي يتم العمل عليها بشكل مستمر طيلة أيام السنة حول منطقة الحرم المكي الشريف.
و لا يغيب عن الذكر دور وزارة المواصلات التي تهتم بسلامة و أمن الطرق، تسعى لتوفير وسائل نقل آمنة حتى تسهل على الحجاج تنقلهم. ولا ننسى ماتقوم به وزارة الصحة العامة على المستوى الصحي، كمراعاة ذوي الإحتياجات الخاصة، العناية بكبار السن، السيدات و الأطفال و توعية الحجاج أنفسهم .. هذا على المستوى الدولي فقط.
أما على المستوى المحلي فلا يسعني سوى أن أنوه عن فرق الكشافة الخاصة بمكة المكرمة التي تستثمر طاقة شبابٍ في مقتبل العمر وهبهم الله تعالى الصبر و منحهم أجر التعامل مع جنسياتٍ مختلفة، لغات و لهجات توجب عليهم خلق جسرٍ للتواصل مع كل حاج ضَلَّ طريقه للوصول إلى مقر إقامته، أو إفترق عن الحملة التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى مساعدتهم في البحث عما فقدوه من أشياء عينية خلال تأديتهم الفريضة.
و على صعيدٍ آخر، جهود هذه الفرق الإجتماعية البارزة في توعية المواطنين على كيفية التعامل مع إخوانهم المسلمين الذين يفدون للأراضي المقدسة في كل عام لأداء مناسك الحج و العمرة بتوزيع منشورات مطبوعة عن فضل أجر حسن الخلق و فضل الإحسان إليهم. جميعها جهود جبارة تؤديها تلك الفرق تطوعاً في صمت بدون هالة إعلامية إيمانًا بواجبها تجاه ربها مرضاة لله سبحانه و تعالى، و لن يقبل أي مسلم أن يتم التشكيك في جهودها العظيمة أو في استعدادها الدائم لاستقبال ضيوف الرحمن وتوفير كل سبل الراحة والأمن والأمان لهم.
ختاماً نصل إلى أنه في الثقافة السعودية، خدمة الحجيج ثقافة راسخة و ميثاق شرف لا يضاهيه أي شرف، و الأكيد أن المملكة العربية السعودية تثبت في كل موسم حج، نجاحها و تفوقها في إدارته بكفاءة و مثالية، و الأجمل ذلك الشعور المبهج الذي ينتاب السعوديين عند توديع آخر حاج، بكل يسر وسهولة. هذا العمق و هذا الرسوخ في خدمة الإسلام والمسلمين ساهم في فشل كل المحاولات التاريخية لأي عمليات إرهابية قد تحصل خلال شهر الحج، ولعل أكبر الأسباب في ذلك أن السعودية تعاملت مع الحرمين الشريفين وفق أسس هدفها خدمة الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى وليس من أجل مصالح سياسية أو ثقافية.
اللهم إحفظ بلادي من شر الفتن ظاهرها و باطنها، و وفق مليكها و ولي عهدها و ارزقهم البطانة الصالحة لما فيه صلاح هذه الأمة.
بقلم : غادة ناجي طنطاوي


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com