سلطان سعيد – ش ا س
من شوارع باريس الفقيرة إلى نجومية الملاعب الأوروبية ثم إلى الملاعب السعودية كانت رحلة نغولو كانتي واحدة من أكثر قصص النجاح إلهامًا في تاريخ كرة القدم الحديث لاعب لا يتكلم كثيرًا لكنه يترك بصمته في كل أرضية ملعب يدخلها بعزيمته الهادئة وجهده المتواصل ومهارته النادرة في قراءة اللعب افتكاك الكرة وصناعة الفارق دون ضوضاء
ولد نغولو كانتي في 29 مارس 1991 في العاصمة الفرنسية باريس لعائلة مهاجرة من مالي ترعرع في أحياء الطبقة العاملة وبدأ لعب كرة القدم في سن مبكرة لم يكن نجمًا لامعًا في فئة الشباب ولم تحط به الكشافات كغيره من اللاعبين لكنه امتلك شيئًا مختلفًا وهو الإصرار المطلق والذكاء في التمركز والعمل الشاق بصمت
بدأ مسيرته الكروية مع نادي بولوني في الدرجة الثانية الفرنسية قبل أن ينتقل إلى نادي كان حيث بدأ يُظهر إمكانياته الفريدة في مركز الارتكاز ثم كانت النقلة الكبرى في مسيرته عام 2015 عندما انتقل إلى ليستر سيتي في إنجلترا وهناك صنع التاريخ وقاد الفريق لتحقيق لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في معجزة كروية لا تزال تُروى حتى اليوم
في العام التالي انضم إلى نادي تشيلسي وواصل تألقه حيث فاز بلقب الدوري الإنجليزي مرة أخرى ثم توج بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2021 إضافة إلى كأس الاتحاد الإنجليزي والدوري الأوروبي وغيرها من البطولات وكان دائمًا في قلب الحدث دون أن يسعى للأضواء أو العناوين
في عام 2018 ساهم بشكل محوري في تتويج المنتخب الفرنسي بلقب كأس العالم في روسيا حيث كان أحد أبرز اللاعبين في البطولة بأدائه الدفاعي الخارق وقراءته المذهلة للعب وقدرته على كسر الهجمات وبناء الهجمات المضادة دون أن يتلقى إشادات إعلامية صاخبة لكنه نال احترام الجميع من لاعبين ومدربين ومحللين
في صيف عام 2023 أعلن نادي الاتحاد السعودي التعاقد مع نغولو كانتي في صفقة شكلت مفاجأة كبيرة في سوق الانتقالات حينها جاء كانتي إلى الدوري السعودي في وقت كان لا يزال قادرًا على العطاء في أعلى المستويات وكان انضمامه ضمن مشروع سعودي ضخم يستهدف استقطاب النجوم العالميين للارتقاء بمستوى الدوري المحلي وجذب أنظار العالم إلى كرة القدم السعودية.
منذ وصوله إلى نادي الاتحاد أصبح كانتي عنصرًا أساسيًا في تشكيلة الفريق وسرعان ما ظهر تأثيره على الأداء الجماعي للفريق بفضل قدراته في استخلاص الكرات وتنظيم خط الوسط والتغطية الدفاعية الذكية صنع التوازن في خط الوسط بين الدفاع والهجوم
ورفع من أداء زملائه بفضل رؤيته الثاقبة وخبرته في كبرى البطولات الأوروبية كما كان له دور قيادي واضح داخل غرفة الملابس لما يتمتع به من احترام كبير وتواضع نادر.
يمتاز كانتي بصفات فنية فريدة فهو ليس فقط لاعب ارتكاز دفاعي بل أيضًا لاعب يبني الهجمات ويشارك في التمريرات الحاسمة ويغطي مساحات واسعة في الملعب ولا يكل ولا يمل طوال التسعين دقيقة كما أنه نادرًا ما يرتكب الأخطاء أو يحصل على بطاقات وهذا يعكس هدوءه وانضباطه التكتيكي العالي.
بعيدًا عن المستطيل الأخضر يُعرف نغولو كانتي بشخصيته المتواضعة والبسيطة لا يحب الظهور الإعلامي ولا يتحدث كثيرًا عن نفسه ويعيش حياة بعيدة عن البذخ مقارنة بنجوم جيله وهذا ما جعله محبوبًا لدى الجماهير من مختلف أنحاء العالم.
في الاتحاد وجد كانتي جمهورًا يحتفي به ويقدره وفي السعودية وجد بيئة جديدة يضيف لها من خبراته الطويلة وفي كل مباراة يثبت أن كرة القدم ليست مجرد أهداف وتمريرات بل روح وقتال وعقلية وخلق.
“رسالة أبعد من الكرة”
وجود نغولو كانتي في الدوري السعودي لا يعني فقط تعزيز المنافسة، بل يرسل رسالة بأن الرياضة يمكن أن تكون منصة للتبادل الثقافي والتواضع والعمل الجاد
وهي القيم التي يجسدها هذا اللاعب الفريد.
ولعل ما يميّز كانتي أكثر من أدائه الكروي، هو أثره الإنساني في كل مكان يذهب إليه إنه ببساطة نموذج نادر للرياضي الذي يصنع المجد بصمت ويترك أثرًا عميقًا في كل نادٍ وكل مدينة وكل جمهور مرّ به للرياضي الحقيقي الذي يكسب الاحترام قبل البطولات.
This site is protected by wp-copyrightpro.com