Latest News
وسائل الإعلام الرقمية وتأثيرها على تشكيل الرأي العام في النزاعات العربية
31 يوليو 2025
0
1980

بقلم الدكتور :احمد صفوت السنباطي بمحكمة النقض

أحدثت وسائل الإعلام الرقمية تحولًا جذريًا في طريقة تشكيل الرأي العام داخل المجتمعات العربية، خاصة في ظل النزاعات والصراعات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة، فلم تعد وسائل الإعلام التقليدية هي المصدر الوحيد للمعلومة، بل أصبحت المنصات الرقمية ،من مواقع التواصل الاجتماعي إلى المدونات والمواقع الإخبارية الإلكترونية ،اللاعب الأبرز في توجيه المواقف، وتحفيز التفاعل، وحتى في تأجيج الصراعات أو تهدئتها، هذا التحول لم يكن تقنيًا فقط، بل سياسيًا واجتماعيًا بامتياز، إذ أفرز قوى جديدة تتجاوز المؤسسات الرسمية، وأعاد توزيع النفوذ داخل المجتمعات.
برزت أهمية هذه الوسائل بشكل خاص خلال الأحداث الكبرى مثل الثورات، والاحتجاجات، والانتخابات، والحروب الأهلية، حيث أصبح المواطن العربي ليس فقط متلقٍ للمعلومة، بل مشاركًا في صناعتها ونشرها، فالفيديوهات القصيرة، والمقاطع المباشرة، والغريدات السياسية الساخنة أصبحت أدوات حقيقية للتأثير، وفي بعض الأحيان للتجييش أو التضليل، كما ساعدت هذه الوسائل في كسر الاحتكار الإعلامي الذي كانت تمارسه بعض الأنظمة، وفتحت المجال أمام روايات متعددة للصراع الواحد، ما ساهم في خلق وعي سياسي جديد، لكنه في الوقت ذاته أدى إلى تشظي الحقيقة وخلخلة الثقة في كل المصادر.
في عدد من النزاعات العربية، مثل الأزمة الليبية، والحرب في سوريا، والصراع اليمني، وحتى في الأزمات الاقتصادية في لبنان والسودان، لعبت الوسائط الرقمية دورًا مزدوجًا، من جهة، ساعدت على كشف الانتهاكات، ونقل صوت الضحايا إلى الخارج، وفضح الفساد والقمع، ومن جهة أخرى، تم استغلالها من قبل جهات داخلية وخارجية لترويج الأكاذيب، ونشر خطاب الكراهية، والتحكم في المزاج الشعبي من خلال جيوش إلكترونية موجهة تخدم أجندات سياسية بعينها.
وقد برزت كذلك ظاهرة “فقاعات المعلومات”، حيث يتلقى كل جمهور ما يؤيد قناعاته المسبقة فقط، ما أدى إلى تعزيز الاستقطاب، وإضعاف النقاش العقلاني العام، كما أن الغياب النسبي للتنظيم القانوني لهذه الوسائل في معظم الدول العربية جعلها ساحة مفتوحة لحملات التأثير الممنهجة، التي تديرها في بعض الأحيان أجهزة استخبارات أو شركات تكنولوجية تعمل لحساب قوى خارجية، ما يجعل الرأي العام العربي عرضة للتلاعب بسهولة في أوقات الأزمات.
في المقابل، فإن المجتمعات العربية أظهرت قدرة نسبية على استخدام هذه الوسائل كمساحة للنقاش، وبناء شبكات مقاومة سلمية، خصوصًا بين الشباب والناشطين، وهو ما منح الإعلام الرقمي طابعًا ثوريًا في بعض اللحظات، وعمّق دور الفرد كمصدر للضغط الشعبي، وإن كان هذا الدور يتراجع أحيانًا بفعل القمع أو الرقابة أو الفوضى المعلوماتية.
أمام هذا الواقع، تواجه الدول العربية تحديًا كبيرًا في الموازنة بين حرية التعبير وحماية الأمن القومي، وبين تمكين الإعلام الرقمي وتنظيمه، فالإعلام الرقمي لم يعد هامشًا، بل صار ساحة مركزية تُصاغ فيها المواقف العامة، وتُخاض من خلالها المعارك السياسية والاجتماعية، ما يفرض ضرورة تطوير استراتيجيات إعلامية جديدة تواكب هذا التحول، دون الانزلاق نحو القمع أو ترك الفضاء مفتوحًا للفوضى.
إن التأثير المتزايد لوسائل الإعلام الرقمية في النزاعات العربية يعكس حجم التحول في علاقة المواطن بالمعلومة، ويضع أمام الأنظمة والمجتمعات على حد سواء مسؤولية إعادة التفكير في أدوات تشكيل الوعي العام، حيث لم تعد السيطرة على الرأي العام ممكنة من فوق، بل أصبحت ساحة مفتوحة، متقلبة، يصعب التحكم فيها، لكنها تملك قدرة هائلة على توجيه المصائر السياسية في المنطقة.


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2025 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com