نبدأ حياتنا بصراخ وننهيها بـ”شهقة” ومابين الاثنتين “كبْد” ومعاناة وألم، وهذا حال الإنسان، يختلف الأمر من شخص لأخر في كيفية التعامل مع هذا “الكبْد” والنكد فالمسلم “يفلتر” كل هنيهات حياته ويتعامل معها بمبدأ الرضا بالقضاء والقدر فيحول الـ”المحن” الى “منح” و”الحرمان” الى “حمد” وشكر لله، و”الانكسار والضعف” الى “خضوع وتذلل” لله فيتحول الى “عزة” وإحساس بـ”القوة” لا تكون الدنيا في قلبه بل في يده، فيصبح قانونه في الحياة ” ما لي وللدنيا؟، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها” أو كما قال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الدنيا، نعمرها لنبني أخرتنا، ونتقبلها بغصصها وألمها وفقد من نحب فيها لنلتقي بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
دنيانا كل ما فيها ينبئنا بأن نعيمها مؤقت وأفراحها لابد ان يشوبها غصة، وأمانها يكسوه الخوف والرهبة، وعافيتها يعقبها مرض وشبابها يهرم، دار التحولات والغصص دار الابتلاء والعمل ورغم كل هذا تجد المسلم يتعامل معها بطريقة “محمدية” عجيبة ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له” أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
كم من غني أمواله تملأ البنوك وأصوله العقارية تطاول السحاب وتملأ البسيطة ومع ذلك فهو فقير في داخله، لا يتمتع بشيء منها بخل على نفسه وعلى كل من حوله حتى إذا رحل وترك الدنيا فرح أقرب الناس إليه بموته وأسرفوا فيما آل إليهم من ميراث بل وبعض منهم يلعنه ولا يستغفر له ولا حتى يتصدق له بنزر يسير من ماله الذي أنتقل إليهم، وكم من مشهور قتله الإكتئاب رغم شعبيته الجارفة ومعجبيه الذين ملئوا الأفاق ثم مات وحيدا.
السعادة في هذه الدنيا ليست إلا للمسلم، فالتقرب من الله سبحانه وتعالى والتذلل له والانكسار بين يديه يشعرنا بسعادة لاحدود لها ولا يعرفها الا من اقترب من الله في سجوده ومن اختلى بالله في مناجاته ومن التقى بالله في صلاته، عظيم كريم يحب العفو، ليس كمثله شي وهو السميع العليم، وما أعظمه من رب كريم حين قَالَ عَزَّ وَجَلَّ “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ”
علاج هذه الآلام والمعاناة في الدنيا بالتزام ذكر الله سبحانه وتعالى فذكره سبحانه حصن حصين ووقاية من الشيطان ودواء لعلل النفس وقربة عظيمة لله جل في علاه، يقول عليه الصلاة والسلام:
“أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ”
يقول فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي: أيها الأخوة: هذه الأحاديث القدسية من صياغة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن المعنى من الله عز وجل، إما أن المعنى ألقي في روع النبي، أو رآه في المنام، أو جاء به جبريل، فلذلك لها طعم خاص ورائحة خاصة، أنت حينما تقرأ حديثاً قدسياً تشعر أن الله يخاطبك وقريب منك، يا موسى أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني.
بقلم : صالح الحسيكي
This site is protected by wp-copyrightpro.com