زارتني إحدى المراجعات في العيادة وقد مرت بمعاناة لتطلب مني أن أصف لها دواءاً ينسيها كل شيء، وزاروني رجالاً ونساءاً بصحبة آبائهم وأمهاتهم المسنين يشكون نسيانهم..
وبين النسيان والهذيان الكثير من القصص والمعاناة..
منهم من لا يريد تذكر الماضي ويرغب بمسح الذكريات والآلام، ومنهم من يؤلمه رؤية أحبائه ينسون من هم، ومن كانوا، وينسون كل من حولهم.
يقولون إن النسيان نعمة !
لو لم نكن ننسى لما كررنا تجاربنا وقمنا بنفس الأخطاء.
لو لم ننس لما غفرنا وسامحنا.
ولكن الكثير من النسيان يهوي بنا إلى أرذل العمر، حتى لا نعلم من بعد علم شيئاً.
تعود الصفحة بيضاء كما ولدنا، ولكن المفارقة هنا أننا لا نستطيع كتابة شيء عليها مرة أخرى، فقد أصبحت بالية كأن لم تكن، وكأن حياتنا لم تغن بالأمس..
شعور بالألم، بالفراق، مع أن الجسد لا زال موجوداً !
ولكن الأبصار زاغت، وبلغت القلوب الحناجر، وأصبحت لحظة الوداع وشيكة، لتبدأ رحلة محاولة النسيان من جديد.
وتستمر الحياة..
لا تتوقف عند ذكرى..
البعض يتناسى، والبعض الآخر ينسى، ولكن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً، فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وهو سبحانه الوحيد الذي لا يضل ولا ينسى..
د.ندا الزايدي
استشارية الطب النفسي
This site is protected by wp-copyrightpro.com