وإستيقظ من نومه كعادته عبوسًا ! مُتذمرًا من رنين المنبه يُطفئه بامتعاض يتناول إفطاره سريعًا يتهندم ويمضي حاملاً في حقيبته أوراقه الهامة وقنابل موقوتة يرجم بها
كل من يُحاول الحديث معه ، حسنًا فهو من أسوأ عاداته بأنه فور استيقاظه يكون مسكون بالغضب تستعمره مزاجيته الساخطة من كل هذا العالم ذاهبٌ هو الآن إلى عمله ! وفي طريقه يُرسل قذائف نظراته العاتية للمارة عاقد الحاجبين وفي أحداقه فوهة الشرر كامنة يباغته اتصال فيُجيب بنبرة جافة .
وهي على الطرف الآخر تهمس : صباحي أنت حبيبي يصمت طويلاً يشرد كثيراً يعتدل في جلوسه يبتلع هذا الصخب المتزاحم من الكلام في حنجرته تتسارع خفقاته وكل نبضة تعانق النبضة الأخرى بقدوم صوتها .
صوتها الذي يُذيب جموده ويُلجم حمم طغيانه ويُصيبه بلعنة الهذيان آه ياصوتها صوتها الذي يخترق حواسه ويتسلل لدمه كمعجزة
آهٍ ياصوتها .. صوتها الذي يُشعل مواسم الربيع على حدود قلبه ويٌحلق كسربًا من الضحكات بين ثنايا أضلعه، آهٍ ياصوتها صوتها الذي يجتاحه بارتعاشات الجنون يُهدئه يُطببه يُبعثره ويلملمه ويقلب كيانه رأسًا على عقب
آهٍ ياصوتها .. صوتها الذي يأرجحه بين عصور التيه ويحطم كل الحضارات الدامية التي تسكنه ويسافر به لحقول الياسمين ومن مقلتيه يبزغ شغب الأطفال تتعالى شهقاته ضحكاته ينساب بين تجاويف ترانيمها حتى يثمل بسُكرة الهوى !
عفوًا أنا لا أحلم .. عفوًا أنا لا أسرد تفاصيل من ضرب الخيال أنا فقط تائهة أنا فقط هاربة في مهب الذكريات أنا فقط أنبش ركام الماضي ، وثمة تساؤلات تجلدني تغتالني تهشمني لشظايا :
كيف إفترقنا ؟ ولمَ رضينا أن نموت بسُم الفراق السحيق بعد أن كان نبع العشق يسقينا ويُحيينا ؟
بقلم : نجلاء حسن
This site is protected by wp-copyrightpro.com