شكراً كورونا ! | د. وفاء ابوهادي
07 أبريل 2020
49
209286

 

رب ضارة نافعة ..!
نعم اليوم نقولها ونحن في هذه الأزمة ونمر بتجربة أكاد أجزم أنها لم تمر منذ زمن بعيد على هذه المعمورة
ولم يعيشها حتى أجدادنا !
وإن مر بفترة من الزمن وباء عليهم فبظني أنه أقل بكثير مما نحن فيه الآن …
فما نمر به جاء مباغتاً لغفلة كنا قد وصلنا إلى أعماق أعماقها وانحدرنا لهاوية سحيقة .

أتت هذه الأزمة حاملة فيروس لا يرى بالعين المجردة ليجعل أعيننا تشخص وتذهل مما ترى ويتبدل في سرعة زمن لم يكن هناك من يعتقد أن تكون هذه السرعة أسرع من إدراكنا لكل هذه الأحداث المتلاحقة ،ونحن ندعي أننا في زمن التطور والتكنولوجيا الحديثة ، وأننا صعدنا القمر وغزونا العقول البشرية ، وفقنا بذكائنا مخلوقات وتعدينا بابتكاراتنا أزمنة عديدة حتى جرفتنا غطرسة هشة لهاوية سحيقة …
لم ندرك أن طعم الغطرسة والغفلة والتعالي والتعود على النعم سيجرفنا بهذه القوة ، وستنهار دول عظمى لطالما تعالت وافتخرت بكآفة ابتكاراتها واختراعاتها إذ كادت لتخترع إنسان غير أنها خسئت مكانها فهي تجسم مجسمات فالروح لله وحده وهو من يصنعها ويدبر مسار حياتها .

وفي غمضة عين وبفيروس ضئيل لا يرى بتلك العيون التي طالما لمعت في لحظة نشوة انتصار لأي اختراع أو ابتكار أو اكتشاف ينهار كل شي ، وتنهار تلك القوى ، وتلك المسميات العظمى .

فقد أغلقت كل فنادق لاس فيجاس أكبر نوادي القمار في العالم ، و أغلقت شوارع وحانات الدعارة بأمستردام التي يتجاوز دخلها ١٠ مليار دولار بالعام .
اليوم كل دول العالم أغلقت النوادي الليلة والحانات والكثير من الطاعم ، اليوم يجثو أكبر عدد من الطائرات خلال التاريخ على الأرض دون حركة
اليوم العالم يلبس الحجاب وينتقب خوفاً من فيروس جاء ليغير العالم بأكمله …
أصبح هذا العالم الكبير يبحث عن النجاة وكلاً يلهث وراء الحياة .

كل شي هش .. كل شي لا أساس له
ويصدح أمامنا قول الجبار القدير : (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
نعم هذه الحقيقة التي غفلنا عنها .

أخذتنا الحياة وزخرفها فبدأت بوادر التناسي لحقيقتنا الانسانية ورسالتنا الحقيقية من وجودنا على هذه المعمورة وهي عبادة الله وحدة وإعمار الأرض ولكن بشروط الحكيم .
إعمارٌ حسب قواعد وضوابط
إعمار ٌيسبقه إيمان ورجوع ويقين برب السموات والأرض .

تغافلنا كثيراً و تعودنا على النعم فتناسينا الشكر…
لهتنا التكنولوجيا والأجهزة الذكية فنسينا أهم مسؤولياتنا اتجاه ربنا ، وأنفسنا ، وأهلنا ، وأبنائنا ومجتمعاتنا .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا )
لم نعد ننصح ولا نتناصح ، بل ونكره من ينصحنا
ابتعدنا عن ألفة الأهل ، استعوضنا تلك الألفة برسائل على مواقع التواصل الاجتماعي .
تنازلنا عن العيش في بَرَكة أبائنا وأمهاتنا واستغنينا عن دعواتهم ، وأصبحت الأجهزة الذكية هي محور تواصلنا
وإن أعطينا لأنفسنا فرصة لاغتراف القليل من بركة أبائنا وأمهاتنا فستكون أجهزتنا الذكية هي السجان لنا والسياج المانع من التقرب إلى جنة والدينا .

كل شي تغير في لحظة وضحاها ولكن ألم تأن قلوبنا ان تخشع لذكر الله
أليس من الأجدر أن نشكر هذا البلاء ، وأن نقول لكورونا ذاك الشبح المخيف الذي أخاف كافة البشرية بمختلف طبقاتهم وممتلكاتهم وامكانياتهم (شكراً كورونا) ؛ لأنك أعدتنا إلى الله ، جعلت من ألسنتنا تلهج بالذكر ، ومن أنفسنا تأوي للسكن بين اهلنا وأبنائنا .
جعلت من الليل سكناً ، ومن النهار معاشاً ، جعلت من دموعنا تنزل حرارة وألماً ونحن نسمع الأذان ، وتوجع قلوبنا عبارة (صلوا في بيوتكم).

جعلت منا قلوباً تهوى للطواف بحرم بيت الله ، وتحن لمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، جعلت منا نفكر ببعضنا ، ونخاف على أهلنا وجيراننا وحتى من لم نعرفهم ، ونعرف قدر نعماً اعتدنا عليها فلم نعطيها ولو جزء صغير من الشكر .

جعلت منا نستشعر معنى الإحساس بمن حولنا وبمن تفصلنا عنهم آلاف الأمتار وندعو لبعضنا سراً وجهراً .

(شكراً كورنا) فقد أعدت لنا إنسانيتنا وفطرتنا ، وونسنا مع خالقنا أصبحنا نناجيه حتى ونحن بين يقظه ونوم قلوباً ملهوفة تطلب الغوث منه .

(شكراً كورونا) لأنك علمتنا حقيقة من نحن ، وماهي قوانا ، وإلى أي مدى تلك القوى !!!
وماهي حقيقة الدنيا !!!
وأين نهايتنا .!!

 

بقلم : د. وفاء ابوهادي

مستشارة إعلامية وأديبة – رئيس مجلس الإدارة


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com