السفير الدكتور علي حسن سلمان ناصر ينشر ورقة قوية لاحتواء كورونا وقصة نجاح التجربة الإماراتية
05 يناير 2021
0
50391

 

منذ بدء مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الصين في ديسمبر 2019، ثم انتشاره إلى مختلف أنحاء العالم، تعدَّدت استجابات الدول لهذه الجائحة، وبينما تمت الإشادة بنماذج لدول في مواجهة الوباء، مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان والسويد، إلا أنه لم يتم تسليط الضوء على نماذج عربية مميزة في إدارة أزمة مواجهة كورونا، ومن أبرزها نموذج دولة الإمارات الذي تُلقي هذه الورقة الضوء عليه.
النموذج الإماراتي: المحددات والمزايا النسبية
يمكن القول إن دولة الإمارات في إدارة أزمة كورونا اختطت نموذجاً خاصاً بها، فهي لم تسعَ إلى محاكاة النموذج الصيني، ولا غيره من النماذج، إنما اتبعت مسارَها الخاص في إدارة الأزمة، إدراكاً منها لاختلاف نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عن الدول الأخرى، كما أنها تعلم أن كل دولة تحظى بميزات نسبية توظفها في تحديد قدرات إدارة الأزمة وكيفياتها.
ارتكز النموذج الإماراتي على مجموعة من المحددات التي حكمت استراتيجية مواجهة وباء كورونا، أبرزها:
مواكبة تعليمات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية، والْتزام تطبيقها بشكل كامل وسريع؛ منذ اليوم الأول لاكتشاف فيروس كورونا المستجد في الصين وإلى أن أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية كجائحة.
التزام معايير الشفافية في التعامل مع الأزمة، والإفصاح التام عن البيانات الخاصة بوضع الوباء داخل الدولة، أولاً بأول.
إشراك المجتمع في جهود احتواء المرض، سواء من خلال توعيته بدوره في هذه الأزمة ومسؤوليته في اتباع إجراءات الوقاية، خصوصاً “التباعد الاجتماعي”؛ أو من خلال تعزيز مبادرات المجتمع، أفراداً وشركات، كتأسيس “صندوق الإمارات وطن الإنسانية” الذي يتلقى مساهمات الأفراد والمؤسسات المادية والعينية والدعم اللوجستي، وإطلاق هيئة المساهمات المجتمعية في أبوظبي برنامج “معاً نحن بخير”.
محاولة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي أثبتت نجاعتها، وبالذات تجربة كوريا الجنوبية في توسيع الفحص المخبري للكشف عن الفيروس، وفي هذا الصدد تُعد الدولة الأعلى في العالم من حيث نسبة إجراء الفحص إلى عدد السكان، والتي بلغت 13 ألف فحص لكل مليون نسمة.[1]
التقييم المستمر والدينامي لواقع الأزمة، واتخاذ الإجراءات المتناسبة مع الحالة، دون هلع أو فقدان التوازن.
عدم الاقتصار على مواجهة التداعيات الصحية لوباء كورونا، ولكن وضع الخطط واتخاذ الإجراءات والقرارات لمواجهة التداعيات الأخرى الناتجة عن الوباء، كالتداعيات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
التحرك الاستباقي في إدارة الأزمة من خلال تجهيز الخطط والقدرات للتعامل مع الخطوات المقبلة، والاستعداد لكافة السيناريوهات المحتملة.
وعَمِد النموذج الإماراتي في احتواء وباء كورونا إلى توظيف المزايا النسبية التي تتمتع بها دولة الإمارات، ومن أهمها:

دينامية الإدارة الحكومية وفاعليتها؛ ما مكّنها من إدارة الأزمة بكفاءة واتخاذ القرارات اللازمة بشكل عاجل ودون إبطاء مع ضمان التنفيذ السريع. وفي هذا الصدد أيضاً كان أبلغ الأثر للمتابعة اليومية لقيادات الدولة العليا للإجراءات المتخذة، والظهور المتكرر لها على وسائل الإعلام المختلفة، وتأكيداتهم على تحمل الدولة مسؤوليتها في حماية حياة الإنسان الموجود على أرض الدولة، مواطناً ومقيماً وزائراً.[2]
القدرات المالية الكبيرة للدولة التي يمكنها معها اتخاذ القرارات المثلى في إدارة الأزمة، واتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية دون اعتبار للكلفة المالية.
جودة النظام الصحي في الدولة الذي استجاب للأزمة دون اضطراب ودون مواجهة النقص سواء في التجهيزات والمعدات الطبية أو في الكوادر البشرية.
استعداد الدولة المسبق لحالات الطوارئ والأزمات، والتي كان منها تعزيز المخزون الاستراتيجي للدولة في مجالي الغذاء والدواء، وهو ما ظهر من خلال عدم حصول أي نقص في السلع المختلفة في الأسواق منذ بداية الأزمة.
تطوُّر البنية التحتية في الدولة، وشبكة الاتصالات والإنترنت؛ ما أتاح للمدارس والجامعات التحول نحو التعليم من بُعد، وكذلك كثير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص التي تحولت إلى العمل من بُعد، وتقدم الحكومة الرقمية الذي يسّر لجوء الناس بشكل شبه كامل إلى الخدمات الرقمية دون الحاجة إلى الذهاب إلى مقرات الوزارات والهيئات الحكومية.
توظيف الحلول الذكية والمبتكرة في مواجهة الوباء وإدارة الأزمة، مثل استخدام الطائرات من دون طيار “درونز” في تعقيم المدن، وتطوير خدمة الصيدلية المتنقلة “دوائي” التي تقوم بتوصيل الأدوية إلى المنازل، لتجنيب أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن الذهاب إلى المشافي، وفي الوقت نفسه تخفيف الضغط على المرافق الطبية؛ وغيرها من الابتكارات.
النظام الاتحادي للدولة الذي سهّل وضع “الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث” استراتيجية إدارة الأزمة مركزياً، وتنفيذ كل إمارة لهذه الاستراتيجية والتوجيهات الصادرة من الهيئة وباقي الجهاد الاتحادية، مع ترك هامش لكل إمارة لتتخذ الإجراءات الإضافية التي تراها مناسبة.
عناصر الاستراتيجية الإماراتية
قامت استراتيجية دولة الإمارات في إدارة أزمة كورونا على العناصر الآتية:

اتخاذ التدابير الصارمة والإجراءات الوقائية لاحتواء المرض وعدم تفشيه؛ من خلال تطوير إجراءات رصد الحالات عند نقاط الدخول إلى أراضي الدولة، وتعزيز اكتشاف الحالات استباقياً من خلال توسيع الفحوص المخبرية، وتوفير أماكن الحجر الصحي المتخصصة والملائمة وبروتوكولات العلاج المناسب للحالات، وكذلك التتبع النشط للمخالطين؛ فضلاً عن اتخاذ الإجراءات المعيارية للحد من انتقال المرض كتعطيل المؤسسات التعليمية، وتعليق حركة الطيران من الدولة وإليها، ووقف كل الفعاليات العامة، ومنع التجمعات، وإغلاق الأماكن العامة مثل مراكز التسوق والمتنزهات، عدا الضروري
محاولة عدم تعطيل حياة الناس الطبيعية؛ فبالرغم من تطبيق إجراءات “التباعد الاجتماعي” وإطلاق حملة “خلك بالبيت”، التي تحث الناس على البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة، إلا أن الدولة أخذت في الحسبان الصحة النفسية للأفراد، لذا اتبعت الأسلوب التدريجي في إجراءات الحد من حركة الناس، كما أنها لم تطبق إجراءات الحظر الكامل والشامل؛ فلاعتبارات برنامج التعقيم الوطني طبقت الحظر الجزئي من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة السادسة صباحاً، ولمدة أسبوعين فقط، كما أنها لم تَقم حتى الآن إلا بعزل كامل لمنطقة واحدة فقط هي منطقة الرأس في دبي.
التقليل من الآثار الاقتصادية للأزمة على قطاع الأعمال؛ عدا عن المحفزات التي أعلنها مصرف الإمارات المركزي بقيمة إجمالية تبلغ 100 مليار درهم لمساعدة البنوك العاملة بالإمارات على التعامل مع التأثيرات الاقتصادية السلبية الناجمة عن أزمة كورونا، اتخذت الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية إجراءات عدة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي؛ فأطلقت حكومة أبوظبي مثلاً 16 مبادرة لتخفيف الأعباء على الشركات وتحفيز قدرتها على مواجهة ظروف السوق الصعبة، وأعلنت أيضاً عن تشكيل لجنة لمراجعة وضع القروض للشركات. كما أطلقت حكومة دبي حزمة حوافز اقتصادية بقيمة 1.5 مليار درهم بهدف دعم الشركات وقطاع الأعمال، فضلاً عن إطلاق مبادرات عدة لتخفيف العبء المالي على الأعمال.
تحويل التحدي إلى فرصة من خلال تطوير قدرات الدولة الصحية؛ فعدا عن اتجاه الدولة إلى تطوير قدراتها الصحية خلال الأزمة، ومن ذلك مثلاً إنشاء “مراكز إجراء الفحص من المركبة” للكشف عن فيروس كورونا خلال خمس عشرة دقيقة فقط، فإن الدولة أنشأت في أبوظبي أكبر مختبر حديث خارج الصين يضم قدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات آلاف الاختبارات بتقنية تفاعل البوليمرز المتسلسل اللحظي (RT-PCR). ولا يتميز هذا المختبر بالقدرة الفائقة والكبيرة على تشخيص فيروس “كوفيد-19” فقط، بل إنه لديه القدرة على الكشف عن مسببات الأمراض الجديدة مستقبلاً من خلال الاختبارات التسلسلية المتقدمة.
استمرار الدور الإنساني للإمارات؛ فلم تتوقف الإمارات خلال الأزمة عن المبدأ الإنساني المتأصل في سياستها الخارجية، فقامت بعدة مبادرات إنسانية لتعزيز الجهود العالمية لمجابهة وباء كورونا، فقدمت إمدادات طبية إلى الصين وإيران وأفغانستان، وهو ما كان محلّ إشادة من منظمة الصحة العالمية، كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت، على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الوقوف إلى جانب سوريا في هذه الأزمة وعدم ترك الشعب السوري وحيداً، فضلاً عن أنها أجْلت 215 فرداً من رعايا دول عربية وأجنبية كانوا عالقين في مدينة ووهان الصينية، ووفرت لهم الإقامة والرعاية في المدينة الإنسانية في أبوظبي إلى حين نقلتهم إلى بلدانهم بعد أن تثبتت من خلوهم من المرض.

ورقة عمل / السفير الدكتور علي حسن ناصر

IMG_5431


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com