من عَجَل
19 يونيو 2021
0
45045

بعد أن أتقن الحبو، بدأ يحاول الوقوف، ويستعجل بالخطوات المتعثرة، حتى إذا ما تمكن من المشي أخذ يحث الخُطى ليجري بأسرع ما يستطيع..

لا يهمه الوقوع!

المهم أن يُسرع وهو لا يدري حقيقةً بما يريد أن يلحق..

يتعلم الحروف الأبجدية، ويبدأ بحرف الألف، فإذا بأصابعه تعبث بنهاية الكتاب ليرى كيف يُكتب حرف الياء..

يتوق إلى بداية السنة الدراسية، وفي اليوم الأول يتحدث بشغف وينتظر بفارغ الصبر الإجازة الصيفية..

ويصبح همه الشاغل متى يتخرج من المدرسة ويصبح شاباً يلتحق بالحياة الجامعية..

يجلس خلسة خلف مقود السيارة لينطلق إلى حيث لا يعلم، المهم أنه يريد أن يصبح حراً..

يستعجل الرزق والوظيفة، وتستعجل أمه بالخطبة والزواج، ويستعجله المجتمع بالإنجاب،

فإذا ما رزق بأنثى أسرع بالولد ليحمل إسمه، وإذا ما رزق بالولد إستنفر لكي يؤنسه بالأخوه حتى لا يظل وحيداً..

يركض في معتركات الحياة ويشق الطرقات الصعبة حتى إذا ما انفتحت سار فيها على عَجَل وهو لا يراها ولا يحس فيها بأي متعة، لأن الطريق الثاني هو ما يشغل باله ويركض هلعاً إليه..

يرتقي السلالم ويشيد الصروح لعله يبلغ الآمال..

يستعجل القول

ويستعجله الأمل

يستعجل الفرج

وتستعجله الحياة

يركض خلفها وهو لا يعلم في حقيقة الأمر أنه مهما كان سريعاً ستسبقه هي بأقدارها..

وأن كل شيء محتوم، قد سُطر من قبل أن تُخلق السماوات والأرض!

فإذا ما أرهقته الحياة وأوقفته مُرغماً عن الركض، نظر إلى الوراء

وايقن أنه لم يلبث إلا قليلاً..

وأحس بحبات العرق تقطر من جبينه ولهاثه المستمر خلف كل شيء وخلف لا شيء، أدرك أنها كانت رحلة وغايتها لم تكن الوصول!

 

 

د.ندا الزايدي

استشارية الطب النفسي


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com