جلست ذات سماء صافية أحسب أني أراقب النجوم، وإذا بها هي من تراقبني..
تتحدث معي، وتتحدث عني..
تنقل لي أخبارها وأخبار العالم من تحتها..
نجوم قريبة ونجوم بعيدة، بعضها قد احترق وبعضها انطمس وظلت شواهد قبورها في السماء..
تتغير ألوانها، تتوهج وتنطفئ، لا أراها إلا كنقطة بعيدة المنال، وعندما أحاول أن أشير إليها بالبنان أجدها أقرب من حبل الوريد..
أحاول عبثا عدَها، ثم أخطئ العد وأتيه بينها..
وعندما أركز أكثر أجد بعضها كان مختبئاً وكأنه قد ظهر للتو!
وكم كنت محظوظة ليلتها عندما رأيت شهاباً يخترق السماء، يركض مسرعاً بين النجوم غير آبه بسكون الليل حتى يحترق سريعاً وينطفئ وهجه!
وأعود عبثاً للعد، فأنسى من أي نجمة قد بدأت وإلى أي نجمة كنت قد انتهيت، فأتوقف..
وأحاول أن أجمع مشهد السماء كله بين عيني، وكأني أخشى عليها من الضياع..
أود أن أجعلها كلها بين أصابعي وأنثرها من جديد، أصنع منها أشكالاً وأطلق عليها أسماء من أحب..
أسماء من رحلوا، وأسماء من اشتقنا إليهم، وأسماء من نسيهم العالم، وأسماء أخشى فقدها!
أغمضت عيناي ولا زلت أراها، ولكني أصبحت الآن أقرب..
رحت أتجول بينها، أصبحت أكبر حجماً، وأكثر توهجاً وبريقاً..
تحدثت إليها عن قرب، وكل نجمة أرادت أن تستبقيني عندها، ولكني أحببت التنقل بينها لكيلا اسأم إحداها..
سبحت في الفضاء، وتهت في أرجائه، لم أشعر بالضياع، كيف أضيع وهم بالنجم يهتدون ؟؟
بل أحببت تيهي، تيه في الفراغ، في اللاشيء..
نجوم لا متناهية العدد في ظلام دامس، تنير الكون وتزين الوجود..
هدوء جميل، لا شيء في انتظارك، ولا شيء ينغص مقامك..
اللانهاية..
نقطة التلاشي..
الإنصهار..
حيث لا وزن لك، ولا هدف..
مجرد أنك وجود..
جزء من الجزء يسبح كغيره من ملايين الجزيئات عبر السنين دون أن يعبأ بمصيره..
حتى قررت اخيراً أن أفتح عيناي لأن النهايات واقع في عالمنا، فإذا بالنجوم لازالت تتراقص على أنغام لا أسمعها، وغمزت لي إحداها وتمنت لي ليلة سعيدة..
د. ندا الزايدي
استشارية الطب النفسي
This site is protected by wp-copyrightpro.com