بقلم :الدكتورة : سمر عبد العظيم
“هل هي آمنة يا سننموت؟ طمأنني عليها، أنا وإن كنت خليلة رع لكنني في الأصل أم… كيف يحتويني مرقد وابنتي نفرو رع الجميلة وكأنها سقطت من علي حافة التاريخ؟؟”
من جديد كست وجهها نظرة حائرة في عيون تجوب الوجوه بحثا عن الجواب
” تدمين قلبي مولاتي كان أملي أن توليني من ثقتك ما أغدقت به علي من عشرين عاما حين وليتيني علي أعز ما تملكين… منحتيي القابا لم يمنحها شخص من قبل ومعها قبلت مسؤوليات لا طاقة لبشر بها… فعلت ذلك لأنك ملكت قلبي قبل أن تملكينني… ائدني لي مولاتي….”
“لا يا سننموت… ماجدوي هذا الحديث ولم تريد نزع عني ألوهيتي؟ لم تريدني بشرا أحب وأخضع بالقول كالعوام؟ وان فعلت وكنت ما تريده مني….. من يحمي العرش؟!! كيف يستقر الوادي ان خلعت عني ذقني وفقدت طيبة فرعون الرخاء”
تجهم وجه سننموت وارتعشت شفتيه بتوتر طفيف “مولاتي!!!! ائذني لي!!”
تنهدت حتشبسوت و قد نفذ صبرها “أمرتك فتحدث…”
“أي عرش؟!! أي عرش؟!! معشوقتي لم يعد هناك عرش الا تشعرين؟؟ اضعت عمرينا فداءا لعرش آن اوان تسليمه فلم يكن يوما لك!!! كنت وصية علي تحتمس الثالث منذ اوصي بولايته زوجك الراحل تحتمس الثاني واليوم لم يعد تحتمس ذلك الصبي تحت الوصاية ولم يعد يحتاج دمك الملكي ليعطيه غطاء الشرعية الأن وقد تزوج ابنتك ميريت رع”
طأطأت حتشبسوت رأسها لأول مرة منذ عشرين عاما “أعلم يا سننموت… تلك الجاحدة ميريت رع منذ وفاة والدها وهي تضمر لي الكره وكأنني كنت سببا في امراضه التي لازمتنا طوال حياتنا معا، حُرِمَت من عطفه في حياته فغلَف فؤادها بقسوة حجر ميدوم…. أنت تعلم يا سننموت كم من المؤامرات علي حياتي كانت لا تتورع عن الاشتراك فيها بل ورعايتها”
“اسمحيلي بالاقتراب…. ” تمتم سننموت ودون أن ينتظر الاجابة دنا الي حيث صغرت حبيبته هماً… “تعالي…. كم من العمر يجب أن يمضي قبل أن تسلمي أننا بشر، فأنت لست فرعونا وان تخفيت في زي رجل عن كل البشر وأنا لست حجرا وان تخفيت في صلابته عن كل البشر،،، أراك كما ترينني مولاتي… أراك أجمل النساء والرجال والناس جميعا، أري فيك جمال الملوك و لين العوام وأحبك واحبهم جميعا فيكِ”
ولأول مرة منذ أن التقت نظراتهم في سوق الفخار منذ عمر مضي شعر سننموت بها طائعة لينة بين يديه وقد غسل الحزن عنها ألوهيتها الزائفة وارتاحت في حضن رحَّمها لسنين طوال “آن لنا الرحيل يا معشوقة سننموت فيجمعنا بنفرو رع ماتبقي من حياتنا… انه اما ذلك او الموت سحرا وكمدا”
وثقت حتشبسوت عليه ذراعيها معلنة أنها لن تبرح حضن افتقدته عمرا فاللحظة التي سلمت فيها شعرت أن كل أسئلة الدهر وجدت لها اجابة … في ضمة لصدره هدأ صراع خلايا جسدها الدائمة والتي أعلنت الحرب بداخلها منذ وُلِدَت أنثي تحارب لأجل عرش ورثت أحقيته وعاشت عمرا تثبت ذلك الحق لرجال اعتادوا الدخول لحياتها وقد عمت ابصارهم الا عن العرش…. الأن كفي…. كفاها اضاعت في حربها عمرا لن يعوضه شيء ولا حتي معية الاله نوت الي السماء بعد البعث
“سننموت ماذا سُيفعل بسيرتي واسمي؟ ”
ابتسم سننموت ” وان كان لا يضيرك، لكنه سيحفر. وجهك من علي جدران المعابد و سيكتب اسمه حيث اعتلي اسمك انجازاتك…. وسيضحك عليه التاريخ!!!”
“كيف يا سننموت؟ كيف والتاريخ يكتبه المنتصرون وانا الأن أعلن هزيمتي” ولأول مرة في عمر اثقلته محاولات القهر المضنية لكسرها دون نجاح…. بكت ابنة الشمس علي سنين أحبت فيها الوادي وناسه فلم يؤنس وحشتها اليوم سوي الشخص الوحيد الذي قضي عمره يعطي دون أن يأخذ منها شيئا
مسح سننموت دموعها وهو يكاد يطير فرحا لأنها سلمت لانسانيتها تماما بين يديه ” حين يُقرأ التاريخ سيحتار القراء…. سيبحثون عنك فلن يجدوك لن يجدوا سوا مقبرتك خواء… سيدنسها حقد تحتمس ولكن لن يصل لمليكتي وحبيبتي أبدا أراك نسيتي مقبرتك بالبر الغربي التي تقبع الي يسار مقبرتي…. هناك ننتظر البعث سويا وجسدانا لا يفرقهم سوي سرداب ان ناديتي علي حبيبتي اغثتك حيا اوي ميتا… قضيت سنيني أوثق تاريخك علي جدران مقبرة ستشهد العالم علي روعتك حبيبتي…سنرقد سويا تحت سماء نقش عليها الكون كله لكي نتذكر أننا حين تلاقينا في هذا العالم لم يكن لقاءنا الأول وأننا في مكان ما في هذه المجرة كنا واحد قبل أن تفرقنا تصاريف رع فقط لتجمعنا تصاريفه من جديد وتجمعنا في العالم الأخر ثانية حيث كنا كيانا واحدا ”
اتسعت ابتسامتها في طمأنينة
“أين نذهب يا سننموت؟”
مد يده ليمسك بكفها الهزيل ليلثمه بقبلة فيها الوعد والرجاء…. نذهب الي حيث تجمعنا اقدار أمون بروحنا نفرو رع فيكتمل حبنا وهنانا… ولكن الي حين…”
“الجميلة نفرو رع
هذا كتابي لك الثاني من ثلاثة
أراك بعين قلبي والهواء يداعب جدائلك وترقق قلبك نغمات القيثارة دات الثلاث أوتار…. تفرحين وتبكين وان شئت ترقصين علي ضفاف النيل المحب…
فلتعلمي يا زعفرانة أن حياتك انقذت من بين فكي السبع وفي سبيل ذلك أُزهقت أرواح فلا تضيعيها.
وعليك يا أميرة القصر والقلوب أن يملأ قلبك الحب والعرفان والغفران فأنت ابنة حب ولا يوجد في ضلوعك كسرة كره او غل…
ابق عندك حيث يضيق البحر فنعبره سويا. أعلم أنك الأن تتسائلين “متي” فكل بأوان يا ابنة رع ولن تلتقي الأرواح قبل أن تصفي وتنقي… فنقها يا زهرة النيل نأتيك …
الي لقاء قريب
محب الزعفرانة المقدسة
سننموت”
تنهدت نفرو رع وهي تودع أخر حروف الخطاب الذي اعطاه لها إدي حين أصبحت مع أول يوم في العشر الأولي من شهر توت. فهدا عام جديد كان قد شارف وهي بعيدة عن أهلها وكانت قد اصبحت في حزن واشتياق.
“سمعتك تبكين في نومك يا جميلتي وأعرف أنه عز عليك الا تحضري احتفال “نفرت” مع احبتك وهذا العام بتزامن مع بدء فيضان النيل، وظهور نجم الشعرى اليمانية، فأبشرك يا رفيقة روحي أنه سيكون عام سعادة ورخاء ولقاء.. وهو ما وعد به سننموت حين ظلل مني تسليمك هدا الجواب في هذا اليوم بالتحديد.
جلست علي حافة المركب الشراعي وهي تلقي بقدمها في الماء فتداعب صفحته في شرود “تري ماذا يريدني أن أفعل وكيف أصفي نفسي؟ وماذا قصد سننموت بالأرواح التي أزهقت؟ ”
“أرجو أن تكوني بخير يا أمي فالخوف يملأ جنبات قلبي عليك تري ماذا فعل بك ابن إست؟!”
قبلها إدي علي رأسها “اطمئني يا نفرو رع ستكون حتبسوت بخير فلن يضيعها سننموت فهو يحبها كما لم يحب رجل امرأة من قبل”
زاد اتساع عينا نفرو رع وهي تتمتم “بحبها؟؟؟ كنت علي يقين!! قل اي يا إدي هل اقترب اللقاء اذن”
اشاح إدي بعينيه بعيدا خوفا أن تري الحيرة التي ارتسمت فيهم “لا أعلم يا صغيرتي ولكن أما كفيتك؟”
أخذَت وجهه بين كفيها وهي تنظر اليه في حنو “بل كفيتني وكفاني حبك”
كان يوم المخاض وجلست تنازع الألم الذي فتت بطنها منذ ظهور أول خيوط النهار …. كم كانت تشتاق لتضم نتاج حبها وشوفها بين ذراعيها فتتوج قصة تضحيتها هي وإدي بمن يقر عينيهما لكن كم تمنت أن اكون أمها الي جانبها، فهي رغم كل الظلم هي أمها لن يحنو عليها أحد مثلها، باغتها شعور بالندم اقلق صدرها حين تذكرت آخر كلماتها لأمها قبل الرحيل الي بونت، يومها كانت قد خنقتها دموع القهر والوصيفات يحمموها بطمي النيل قبل ذلك الزفاف الكريه الذي رعاه المعبد وكهنته. يومها شعرت بوحدة قاتلة وكأنها فس هذا العالم وحيدة يومها خرجت منها اول وأخر كلمات جحودها “أكرهك يا ابنة الشمس أنت وعرشك!!”
كم تمنت لو أن الزمن عاد بها لذلك اليوم فتلجم شيطانها ولكن الزمن لا يعود وما تنطق به ألسننتنا يلتف حول رقابنا حُكما جنينته علي أنفسنا…. ليس لنا الا البكاء فانفجرت في بكاء مر كان مزيجا من ألم وندم استمر لدقائق مرت كالدهر لم يقطعه الا تلك اللفافة التي الفتها وانتظرتها
“الجميلة نفرو رع
هذا كتابي لك الثالث من ثلاثة
حين تسامحين يأتيك الاله نوت مجيبا ….
لا تندمي يا حسناء الوادي اليوم يلتئم الجرح انتظرينا يا جميلة فقد ولي زمن الفرقة
ابو الزعفرانة المقدسة
سننموت”
مع أخر صرخة مخاض وأول بكاء للمولود الجديد فتحت نفرو رع عينيها لتحتضنها العائلة والعزوة والسند فكانت أول من حمل “خيتي الأول” جدته حتشبسوت وجده سننموت
سننموت_حتشبسوت
This site is protected by wp-copyrightpro.com