Latest News
الناقص.. متعة العجز والجمال المؤجل ..!!
27 يونيو 2025
0
13266

د . زامل عبدالله شعـراوي .

في زحمة الحياة، حيث تتزاحم الخطى وتتشابه الوجوه، يقف الإنسان، في أضعف حالاته، يبحث عن صورةٍ مكتملةٍ لنفسه. يحمل على كتفيه إرثًا من الأسئلة، وأحمالًا من التطلعات المؤجلة، لكنه لا يدرك – أو يتناسى – أنه لم يُخلق ليكون كاملًا.
الإنسان الناقص، ذاك الذي تخلّف عن سباق الكمال .. هو الحقيقة الوحيدة في هذا العالم المتكلف، هو الصادق مع نفسه حين يعترف أنه لا يعرف كل شيء، ولا يملك كل شيء، ولا يستطيع كل شيء. إنه ليس نقصًا يُخجل منه، بل نقصٌ يُبهج، لأنه يذكّرك أنك ما زلت تتعلّم، تتغيّر، وتتطوّر.
نحن نولد ناقصين، ونموت كذلك، لكن الفرق بين من يهرب من هذا النقص ومن يصادقه، كالفرق بين من يهرب من ظله ومن يرقص معه تحت ضوء القمر. الناقص يضحك من عثراته، يتعلّم من سقطاته، ويشكر الحياة على دروسها القاسية. أما مدّعو الكمال، فهم في الحقيقة أكثر من يعانون، لأنهم يرتدون أقنعة ثقيلة، ويخافون أن تُكشف وجوههم الحقيقية ذات يوم.
في النقص مساحات شاسعة من الجمال، إذ لا شيء أكثر فتنة من لوحة لم تكتمل، فيها متّسع للخيال، وللتأمل، وللدهشة. كذلك الإنسان، حين يكون ناقصًا، فهو مفتوح على احتمالات كثيرة، غير مُغلق على نهايةٍ واحدة. هو مشروع حلم، لا سيرة منتهية.
النقص ليس عيبًا، بل لغة، لا يفهمها إلا من تدرّب على الإنصات لصوته الداخلي. من وقف أمام مرآته ذات مساء، وقال بصدق: “أنا لست كما يجب، لكني كما أستطيع… وسأكون.”
وقفه :
أيها الإنسان الناقص، لا تخجل من تعثرك، ولا تُخفِ خوفك، ولا تكمّم جرحك ، ففي هشاشتك شيء من الصدق، وفي دمعتك حكمة لم تُروَى بعد ، عشْ ناقصًا، لكن بشرف اسعى لكن لا تتوهّم أنك ستبلغ تمامك ، فالاكتمال وعد مؤجَّل، لا يتحقق إلا حين نغادر هذه الأرض، ونترك خلفنا رواية غير مكتملة، تحمل اسمنا وتاريخنا، وبعض ما كنّا نحاول أن نكون.


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2025 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com