الأسماء
11 أغسطس 2021
0
36234

 

لتعرف أهمية الأسماء حسبك أن تقرأ قوله تعالى ((وعلم آدم الأسماء كلها)).

ولو كان شيئ فى مقام التفضيل و التعريف بآدم عليه السلام أهم من العلم بالأسماء ،لذكره رب العالمين جواباً لسؤال الملائكة عليهم السلام.
وانشغل الناس قديماً بجدلية :هل الاسم هو المسمى أم شيئ آخر؟
وانتهى الرأى إلى كونهما شيئين متغايرين.
ولكل شيئ فى الوجود اسم :من العرش إلى الفرش .
ومن الذرة إلى المجرة.
وفوق ذلك وتحت ذلك ،
وليس أدل على ذلك من أن الله جل جلاله له الأسماء الحسنى التى يُدعى بها ،ومن أحصاها دخل الجنة .
وقد تحسن الأسماء وقد تقبح ،وقد بلغنا مما صحت روايته عن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ،أنه كان يبدل الأسماء التي لا يرتضيها بخير منها .
وبخاصة إذا اشتملت الأسماء على معنى فيه نكارة . عرفية أو شرعية أو أخلاقية أو معنوية .
وكان من عادات العرب قديماً تسمية أبنائهم بالأسماء التى تحمل معانى البأس والشدة والغلظة ،وتسمية خدمهم وعبيدهم بأسماء فيها معانى اللين والوفاق .
فلما سئلوا عن ذلك قالوا:
نسمى أبناءنا لأعدائنا ونسمى عبيدنا لأنفسنا .
وبالنظر إلى مسألة الأسماء سنجد لها تطوراً وأطوارا ،وترتبط بمسائل بحثية تستحق التوقف الطويل عندها .
ولعل أول من اهتم بها كعلم ،المتخصصون فى علم الرجال والجرح والتعديل ، فقد أخضعوا كل الأسماء التى بلغتهم لدراسات مستفيضة ،كانت الأساس لكل ما تلاها من علوم تتصل بالتوثيق من أى جهة كان .
وقد بذلوا فى ذلك جهداً يذكر فيشكر ، ومن مظاهره الضبط الشديد والدقيق حتى لمنطوق الاسم .
ولم نجد أشد منهم ضبطاً وتحرياً فى هذه المسألة.
ولو شئت مثلا من سوء الضبط عند غيرهم ،فإليك هذا المثال :
تسامع الناس طُراً فى العصر الحديث برجل يدعى (رينيه ديكارت ) ونعتوه بأبى الفلسفة الحديثة على الرغم من سرقته لآراء أبى حامد الغزالى .
ورجل فى شهرة ديكارت لا ينبغى أن يختلف الناس فى اسمه ،بل فى ضبط الاسم ،ولكنى قرأت للدكتور يوسف كرم فى كتابه الفلسفة الحديثة (رنى ديكارت)،
وقرأت لريتشارد شاخت كتابه رواد الفلسفة الحديثة ووجدت فيه (رينو ديكارت).
وقرأت كثيراً من الكتب ووجدت فيها (رينيه ديكارت).
وهذا مثل واحد من عدم الضبط حتى للمشاهير.وربما كانت الترجمة سبباً فى التصحيف والتحريف ،
نعم وقع شيئ من ذلك فى ضبط الأعلام عندنا فى تراثنا مثل اختلافهم فى (المسيِب والمسيَب)، لكنه لا يخرج عن حدود القبول .
وبتتبع الأسماء قديماً وحديثاً رأينا ظاهرة الانتقال من أسماء لأخرى ، حتى لتكاد بعض الأسماء تختفى تماماً مع الزمن .
ولعل من أسباب اختفاء بعض الأسماء واستبدالها بغيرها ما ألمحنا إليه من تغيير النبى صلى الله عليه وسلم للأسماء التى فيها نكارة أو قبح فى وجه من وجوهها ،
أضف إلى ذلك أن تعايش كثير من الشعوب مع بعضها وفتح الحدود والإتصالات التجارية والحضارية والمصاهرة أدت هذه الأسباب مجتمعة إلى تناقل الأسماء ، حتى ولو كانت الأسماء من لغة مغايرة للغة المسمى.
وهو ما نراه بوضوح فى عصرنا الراهن ،وبخاصة فى غلبة كثير من الأسماء الغربية على بعض العرب .ذكوراً ونساءً.
ولست أبتعد عن الحق والحقيقة إذا قلت :إن التتبع والاستقراء يظهر هذه المسألة بوضوح لا يداخله لبس ،عند المسلمين والمسيحين جميعاً ، وإجراء مسح لأسمائهم سيبرز إلى أى مدى ،استوردنا أسماء غربية لم تكن عندنا وأطلقناها على أبنائنا وبناتنا .
بل إن التتبع يبرز لنا ظاهرة غاية فى الغرابة ألا وهى ،هوس الناس بالأسماء شديدة الغرابة عن بيئتنا وثقافتنا ،والتفنن الشديد فى اختيار أسماء لم تجر على ألسنة المعارف والجيران والأصدقاء والأقارب طلباً لنوع من التميز الموهوم.
وقد تكون هذه الغرابة مصدر بلوى وموضوع شكوى فيما بعد .
لماذا ؟
لأن كاتب السجل قد يخطئ فى كتابة الاسم ،
وكثيراً ما يحدث هذا ،فيمتد التأثير إلى الأوراق الثبوتية المختلفة فتخرج كلها مختلفة ومتضاربة ،
وذلك واقع لا يمكن إنكاره.
إننا حتى مع الأسماء القديمة المتداولة والمعتادة قد نقع أحياناً فى مشاكل مشابهة ،كأن يستبدل الكاتب حرفاً بحرف فى الأسماء ،أو لسوء خطه وعدم تدقيقه يأتى النقط وإعجام الحروف فى غير محله ،وهو الأمر الذى لا يمكن تصحيحه بسهولة ،بل يمتد زمان التصحيح ، مما يضيع أحياناً بعض الحقوق المرتبطة بإعلام الوراثة مثلاً ،وإن لم تضع هذه الحقوق بالكلية فستتأخر عن مستحقيها كثيراً.
وقد تتسبب الأسماء فى مشكلة كبرى لأصحابها عندما تتشابه مع أسماء المحكوم عليهم ،مما يعرض البعض لمشاكل ضخمة فى المطارات وبعض الأكمنة الثابتة والمتحركة على الطرق .
كما تتسبب أسماء الشهرة أحياناً فى مشاكل ضخمة لأصحابها إذ لا يتمكن البعض من الوصول إليهم نظراً لجهالة الناس بأسمائهم الحقيقية.
وهذه المشكلة تحديداً قد يقل أثرها فى القرى والعزب والكفور ،لأن الناس إذا لم يستدلوا على صاحب الاسم عرفوه من اسم الأب أو الجد أو العائلة .
وإن كان ذلك لا يلغى المشكلة تماماً.
وتكبر المشكلة وتصغر بحسب ما يرتبط بها من خطاب تجنيد أو تعيين أو حكم قضائي أو خطاب بنكى مثلاً والأمثلة أوسع من أن تحصر .
وقد تتسبب الأسماء فى مشكلة أخرى بسبب نداء الناس لرجل أو صبى باسم أمه ، وهو الأمر الذى يأنف منه الكثيرون .
مع أننا نجد فى تراثنا كتاباً عنوانه (تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه ) تحقيق الأستاذ عبدالسلام هارون رحمه الله.
وقد تتسبب الأسماء فى مشكلة ضخمة بين طرفين لإصرار أحدهما على نداء صاحبه باسم يكرهه .
وقد نهينا عن التنابز بالألقاب وأمرنا بنداء الناس بأحب الأسماء إليهم.
ونحن نرى من مظاهر إخفاء بعض الأسماء لأسباب مختلفة ،
استعمال الأسماء المستعارة فى الكتابة الصحفية مثلاً ربما لأسباب اجتماعية كما هو الشأن فى الدكتورة عائشة عبدالرحمن رحمها الله ،وكما هو الشأن فى الدكتورة جيهان السادات رحمها الله ،فكلتاهما كتبت ونشرت ما كتبته باسم مستعار فى فترة ما من حياتهما .
وبالاسم المستعار يعيش كثير من الناس تفرض عليهم طبيعة أعمالهم عدم الكشف عن هوياتهم الحقيقية تأميناً لهم ولأسرهم من جهة ،وطلباً لنجاح مهامهم من جهة أخرى .
وفى أحداث الهجرة استعمل أبو بكرٍ رضى الله تعالى عنه التورية عندما سئل عمن معه فقال (هادٍ يهدينى الطريق )وعندما سئل عن موطنهما فقال :(من ماء).
ومما يرتبط بالأسماء أيضاً أن بعضها قد اختفى تماماً وهجره الناس ،لا سيما فى أسماء النساء بالرغم من اشتمال هذه الأسماء على معانى غاية فى الحسن والبهاء،
مثل :خضرة وأم السعد وأم الخير وصُلح ومنيرة ورابحة ،
وهكذا جرت المقادير وتغيرت الثقافات …
……..
ولئلا يطول بنا الحديث ،بقيت ثمة قضية مرتبطة بإطلاق الأسماء على الطرق والمنشآت بأنواعها ألا وهى :-
أن هذه الإطلاقات فيها من معانى الوفاء والتقدير والإشادة ما الله به عليم .
وهى إطلاقات تنبئ عن معانى أخلاقية وتربوية رائعة عند من أطلقها ، كما أن لها أثراً نفسياً ملهماً ومؤثراً عند صاحب الاسم أو عند أهله إن كان قد سبقهم للقاء ربه .
ولها كذلك أثر تحفيزى عند من يطالع ويسمع بأخبار التكريم من الجماهير والمواطنين.
غير أن الأمر فيه ثلمة يجب أن تُسد ، وخرقٌ يجب أن يرقع ،فيما أرى،
وهو: أن الاسم الذى تم اطلاقه على طريق مثلاً أو منشأة يجب أن يذيل ولو بسطر زيادة فى التعريف بصاحبه ،وخصوصاً إذا ابتعد الزمن بصاحبه.
ولنضرب لذلك أمثلة:-
١- عين زبيدة ،من يعرف زبيدة ؟
إنها زوجة هارون الرشيد رحمهماالله ، وهى التى أنشأت طريق الحج من العراق إلى مكة على نفقتها.
٢- شارع شريف فى كل مدن مصر الكبرى ، فمن هو شريف ؟ومن اليوم يذكر أنباءه؟
٣- شارع نوبار فى كل مدن مصر الكبرى،
فمن هو نوبار؟
وعلى هذا قِس ،
من هو المنشاوى صاحب مشفى ومسجد المنشاوى بطنطا؟
ومن هو العينى صاحب القصر العينى بالقاهرة ؟
ومن هو صلاح سالم المسمى باسمه أشهر طريق بالقاهرة؟
ومن هو فلان وفلان وفلان وفلان …………؟
وهكذا تشتد الحاجة إلى زيادة التعريف بالأسماء.
كلما تراخى الزمان
وامتدت الليالى
ودارت الأيام .

بقلم/ الدكتور عبدالرحمن نصار استاذ التفسير ووكيل مدرية الأوقاف بالإسكندرية


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com