لم يشاهد جمهور كرة القدم السعودي مباراة عجيبة مدهشة ، منذ سنوات طويلة ، كما شاهد الأسبوع الماضي مباراة ( الأهلي – الفيحاء ) في بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين
ولعل من عجائب تلك المباراة المذهلة ، أنها لم تكن فقط / ماراثونية / ولا متقلبة / ولا مما ينشف الحلق / ويتلف الأعصاب / ولا مما يجعلك تتأرجح بين اليأس والرجاء ..
بل كانت أكثر من ذلك ….
كانت تعني أنك أمام فريق يلعب في بطولة ، يعتبر هو عرابها وصديقها ومدوزن أوتارها .. أو كما يقول المصريون ” بتاعته ” .. بطولة يقف مغردا على رأس هرم قائمة الفائزين بها .. ولذلك صار من أسمائه … قلعة الكؤوس / والملكي
وسبب أخر مهم .. وهو أنك أمام فريق له (شخصية ) متفردة … ولا أظن المنصفين ألا وهم يرون ان الأهلي ناد مهيب طيلة تاريخه .. ولعله بما صنع من اعجاز في موسمه الذهبي قبل عامين قد زاد من هيبته … وخلق من نفسه فريقا مرعبا
الأهلي .. حتى وهو في أسوأ ظروفه , كما رأيناه بالأمس القريب أمام الفيحاء ( 8 في المنتخب و 6 مصابين ) … وفوق ذلك هداف الفريق والدوري (غائب ) للإصابة منذ 3 أشهر .. ثم وجدناه يتعامل مع الحدث بطريقة مذهلة , طريقة الخبير المحنك
والواقع أن الأهلي طراز عجيب من الفرق ، فهو من أكثرها تميزا بما يعرف بـ ( ثقافة النفس الطويل ) تلك المخبوءة في صدور لاعبيه – سواء الأساسين أو الاحتياطي .. وتلك الميزة هي ما جعلته قادرا على ( قلب النتائج ).
ولذلك – ومن خلال الشواهد الحية – فالأهلي من أكثر الفريق التي لا يمكن أن يأمنها الخصم .. حتى يطلق الحكم صافرة نهاية المباراة … لماذا ؟ .. لأن لديه مراس ومهارة خاصة في قلب النتيجة ، وأحيانا كثيرة في الرمق الأخير .. وتلك مما عززها السيد جروس .
الأهلي يثق بنفسه , ويعرف أنه قادر على فرض شخصيته في أي وقت .. وهذه الميزة لا علاقة لها بالناحية الفنية .. لكنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ ” الروح ” .. التي يستمدها كل لاعب أهلاوي من تاريخ ناد , عمره أكثر من 80 سنة مرصعة بالمجد .. ومن الطبيعي – بالنسبة لك كلاعب – أن يتلبسك هذا الشعور كونك في ناد فخم .
وثمة عنصر قد يخفى على البعض وهو جمهور الأهلي الهادر ، أولئك المجانين .. الذين ما إن تتراص حشودهم في المدرجات ، ثم تهدر … حتى تتحرك دماء اللاعبين ، وترتفع معنوياتهم واصرارهم ، وتتعاظم (مسؤوليتهم الأدبية ) أمام جمهور كثيف محب إلى درجة العشق ، جاء مبكرا – من أجلهم .
(مجانين الأهلي ) تلك الجماهير الأسطورية المهيبة ، تتقاسم هي الأخرى كل مزايا ” الكيان ” مع اللاعبين .. فهي أيضا تملك ثقافة النفس الطويل / ثقافة قلب النتائج / وثقافة الروح والإصرار … ولذلك فقد كانت في مناسبات كثيرة ، هي من صنع جزء مهما من تفاصيل (موسيقى فوز الفريق ) عبر كل ألوان ” الأوركسترا ” البهية التي تنبعث من حناجرهم في المدرجات ، فتتحول إلى دفقات معنوية هائلة ، تقود الفريق إلى منصات الفرح
وللأهلي سر خفي في قميصه الأخضر , ذاك الذي يحاكي لون الحياة .. وذلك ” السر ” سبق وأن كشف عنه سعادة الضابط ، العميد مساعد الرشيدي ، الشاعر الأنيق ، ومن أفضل من ترنم بشعرنا النبطي العذب .. عندما أوجز حكاية الأهلي ، في بيت شعر واحد :
( لا فاز الأهلي تنام الأرض مبسوطة …. العشب سر ابتسامتها وفرحتها )
تلك هي قصة ( أهلي جدة ) ذلكم النادي الاستثنائي ، الذي يستلهم – كل صباح – من البحر الرابض أمامه – عنفوان أمواجه ، وسطوة أعماقه … ولذلك لم يكن يخالف الواقع الشاعر , الذي قال : (جدة .. كذا .. أهلي وبحر )
بقلم : بخيت طالع الزهراني
This site is protected by wp-copyrightpro.com