الاتجار بالبشر….والتيك توك
15 أكتوبر 2021
0
44352

د.  أميرة عبد العظيم

دكتور القانون الدولي العام بجامعة الأزهر
بالرغم من التأثير السلبي لوباء ” كوفيد 19″ على كافة المستويات والأنشطة البشرية، إلا أن ظاهرة الاتجار بالبشر قد ازدهرت ، وأثمرت وأينعت في ظل هذه الظروف بالغة التعقيد ، إذ وجدت المناخ الخصيب الذي ترعى فيه غير عابئة بالحالة الراهنة التى أصبح العالم عليها الآن.
إن ما شهدته الآونة الأخيرة من تصاعد واضح لظاهرة الاتجار بالبشر وخاصة الاتجار بالنساء والأطفال ، وتزامن ذلك ـمع استمرار “كوفيد-19″،الذي أثر تأثيرا كبيرا في تزايد هذه الظاهرة ، وزيادة استقطاب الضحايا من خلال تطبيق التيك توك وغيرها من التطبيقات والمنصات عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والتي يتم من خلالها تجنيد ضحايا جدد للاستفادة من الطلب المضاعف على مواد الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال.
وبلغ من حرص النيابة العامة المصرية على تصديها لجرائم الاتجار بالبشر أن خصصت نيابات للتحقيق في الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية. فقد أصدر النائب العام في 30 سبتمبر 2021 قرارا يقضي بإنشاء نيابات متخصصة في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، بمقر كل نيابة استئناف على مستوى الجمهورية.
فوفقا لدراسة قام بها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) عن الأثر المدمر لـ”كوفيد-19” على زيادة استهداف النساء والأطفال واستغلالهم والاتجار بهم، ذكرت أن جريمة الاتجار بالبشر ازدهرت أثناء الأزمة العالمية حيث استغل المتاجرون بالبشر الأزمة ، مستفيدين من خسارة الناس للدخل وزيادة الوقت الذي يقضيه كل من البالغين والأطفال على الإنترنت ، مما دفع المتاجرين بالتكيف سريعا مع الوضع الجديد ونقلوا أعمالهم غير القانونية من الحانات والنوادي بعد إغلاقها إلى تطبيقات عبر الإنترنت”، يستخدم فيها المُتاجرون ووكالات التوظيف الاحتيالية الوعود الكاذبة بتوفير فرص العمل لخداع الضحايا والأشخاص المستضعفين أو اليائسين أو الذين يسعون ببساطة إلى حياة أفضل .
ونظرا لخطورة هذه الجريمة والتي يفقد فيها الإنسان إنسانيته تماما حيث يتم التعامل معه باعتباره سلعة تباع وتشترى فى سوق تجارة البشر وتحكمه قواعد العرض والطلب، حيث لا يبالون بكرامة الإنسان ولا بحقوقه. إذ يبيعونه بأثمان زهيدة، مقابل أرباح تبلغ مئات الملايين من الدولارات مما يستدعي تطوير استراتيجيات الدول حول مكافحة الاتجار بالبشر على المستويين الوطني والدولي “.
ومن المعلوم أن الإتجار بالبشر يشمل استغلال الأشخاص – رجالا ونساء وأطفالا – سواء عن طريق تجنيدهم أو نقلهم قسراً أو اختطافهم أو الاحتيال عليهم بغرض استخدامهم في نشاطات غير مشروعة مثل الاستغلال الجنسي كالدعارة وغيرها أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو التسول أو نزع الأعضاء وذلك من أجل الحصول على منفعة مادية.
وتُمثل جريمة الاتجار بالبشر -حالياً- ثالث أكبر نشاط إجرامي في العالم يحقق أرباحاً هائلة بعد جريمتي الاتجار في السلاح والمخدرات، بل ويتوقع البعض أن تتقدم هذه التجارة في المستقبل وتتفوق على تجارة السلاح ؛ فمخاطرها -بالنسبة لشبكات الإجرام المنظم – أقل من مخاطر تجارة المخدرات والسلاح.
وصور الاتجار ليست مستحدثة- كما يتبادر إلى الذهن – بل إن أغلبها مرتبط بوجود الإنسان ذاته لكنها كانت تمارس فى نطاق ضيق وحالات معدودة، فقد كانت تقتصر على استغلال المرأة أثناء العمل من أجل جذب الزبائن كما يحدث في بعض المؤسسات والشركات والمحلات التجارية وفي الدعاية والإعلان، وبعض هذه المؤسسات كان يعمل تحت غطاء ما يسمي بــ: صالونات التدليك. خدمات المرافقة، واستوديوهات عرض الأزياء، والحانات ونوادي العراة، أو الزواج السياحي أو زواج القاصرات أو الإكراه على العمل أو الخدمة قسرا ( في صور أشبه بالعبودية والاسترقاق).
ومع التطور التقني تطورت أيضا صور الاتجار فقد لوحظ تزايد استخدام تكنولوجيا المعلومات بشكل لا هوادة فيه في الاتجار بالبشر وبصفة خاصة في أغراض استغلال المرأة للعمل في الدعارة أو غيرها من الصور الأخرى من الاستغلال الجنسي ، وأصبح العمل الآن يتم من خلال تطبيقات للزواج والمواعدة والبث المباشر لليوميات وغرف الدردشة الحية…… وغيرها، ولا أدل على ذلك من القضية التي أثيرت مؤخرا والمعروفة إعلاميا بقضية فتيات ” التيك توك” في مصر والذين وجهت إليهم تهمة ارتكاب جريمة الإتجار بالبشر حيث قاموا بالاشتراك مع آخرين في استدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، ونشر فيديوهات تحرض على الفسق، لزيادة نسبة المتابعين لها، والعضوية بمجموعة (واتس آب) لتلقي تكليفات استغلال الفتيات.
ولا نتكلم هنا عن مصر فقط ، بل أصبح الاتجار ظاهرة دولية ملموسة في كافة دول العالم لا تكاد تخلو منه دولة وأضحت هذه الجريمة تهدد استقرار المجتمع الدولي بأكمله، وتمثل إحدى تحديات القرن الحادي والعشرين.
وهذا ما حدا بالمجتمع الدولي أن يتضافر لمواجهة كافة أشكال الاتجار باتفاقية دولية شاملة تتمثل في “بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبصفة خاصة النساء والأطفال”. ونعنى بالمنع في هذا البرتوكول اتخاذ تدابير لمنع وقوع هذه الجريمة، أي وأدها قبل ميلادها، ونعني بالقمع مواجهة الجريمة بعد وقوعها من خلال معاقبة كل من ساهم فيها كما أن مسمى الاتفاقية يوضح أن المنع والقمع يتجهان بصفة خاصة لتجريم الاتجار بالنساء والأطفال الذين يعدون في المقام الأول ركيزة هذه الجريمة.
وطلب هذا البرتوكول من الدول الموقعة عليه أن تجرم جميع الأفعال التي يمكن أن تشكل صورا للاتجار بالبشر وأن تتخذ كافة التدابير لمكافحة هذه الجريمة ومساعدة ضحايا الاتجار وتمكينهم من العودة إلى أوطانهم.
وهذا ما حدا بالمشرع المصري باصدار قانون جمع فيه كافة صور الاتجار بالبشر وهو ” قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010 ” ، حيث تناول هذه الجريمة بقوله:” يُعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول علي موافقة شخص علي الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه – وذلك كله – إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أيا كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد، أو التسول، أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها. نشر بالجريدة الرسمية في العدد 18 مكرر، والصادر في 9 مايو سنة 2010.
ويلاحظ أن المشرع أخذ على عاتقه تعداد الأنماط التي يمكن أن تمثل أية مرحلة في رحلة الاتجار بالبشر وذلك حتى يصبغ الصفة التجريمية على كل مراحل الاتجار فلا يستطيع أحد الإفلات من العقاب بدعوى أنه قام بمجرد دور محدود في عملية الاتجار، ومن ثم فإن جريمة الاتجار تمتد لتشمل مجرد القيام بعملية تجميع النساء (التجنيد)، أو حتى لو اقتصر الدور على مجرد النقل لمكان واحد أو التنقيل من أو إلى عدة أماكن أو اخفاء أو الاستقبال، فكل المراحل مجرمة وتدخل في جريمة الاتجار، بشرط أن يكون ذلك قد تم باستخدام القوة أو التهديد بها أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو عن طريق اختطاف الضحايا أو استخدام الحيل والخداع من أجل اقناعهم بالأمر للسيطرة عليهم بهدف استغلالهم والاتجار بهم.
وهناك دول لم تتأخد أي إجراءات لمكافحة هذه التجارة غير المشروعة وذلك بسبب الأرباح الهائلة التي تحققها عائدات هذه الأنشطة تحت مظلة السياحة الجنسية ونوادي العراة…… وغيرها مثل ألمانيا وروسيا الأمر الذي يؤدي إلى إسباغ نوع من المشروعية على هذه الجرائم في ظل نظام قانوني متغافل عن هذه الانتهاكات وما تضخه هذه التجارة من أموال في ميزانيات هذه الدول.
وقد ذكر تقرير الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر بعض النسب – بحسب الغرض المراد به التجارة – فقد كان الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79%، و14% للعمل القسري وسرقة الأعضاء، في حين يتعرض 83% من الضحايا الرجال للعمل القسري ممثلا في التنظيف والبناء والخدمات الغذائية والمطاعم والعمل المنزلي وإنتاج النسيج، و8% للاستغلال الجنسي و1% لسرقة الأعضاء فضلًا عن التجنيد غير القانوني للأطفال.كما أن ملياري شخص حول العالم مورست عليهم جريمة الاتجار بالبشر دون أن يتعرض الجناة للعقاب، وأشار إلى أن 70% من الضحايا نساء وفتيات، و30% منهم رجال وصبية.
ومن يرتكب هذه الجريمة في القانون المصري يُعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر. وقد تصل هذه العقوبة إلى السجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه في حالات معينة نصت عليهاالمادة (6) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر من أهمها: إذا كان الجانى زوجا للمجنى عليه أو من أحد أصوله أو فروعه أو ممن له الولاية أو الوصاية عليه أو كان مسئولاً عن ملاحظته أو تربيته أو ممن له سلطة عليهأ، أو إذا كان الجانى موظفًا عامًا أو مُكلفًا بخدمة عامة وارتكب جريمته باستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة. وفى جميع الأحوال يُحكم بمصادرة الأموال والأدوات المتحصلة من هذه الجريمة.


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com