سلطان سعيد
الاعلام الرياضي السعودي يقف اليوم على مفترق طرق بين زمن الخطاب الانفعالي السريع وبين عصر جديد يفرض مستوى اعلى من الاحتراف والمعرفة والقدرة على قراءة الرياضة بوصفها صناعة وطنية كبرى وأسلوب حياه لا مجرد منافسة كروية يومية هذا التحول لم يعد خيارا بل نتيجة طبيعية للطفرة الرياضية الواسعة التي تشهدها المملكة ورؤيتها الاستراتيجية التي جعلت الرياضة جزءا مركزيا من صورتها الحديثة
ورغم هذا التقدم لا يزال جزء من الاعلام الرياضي يعيش في مساحة قديمة تعتمد على الجدل السريع وتكرار القضايا دون عمق يوازي حجم المشروع الرياضي الوطني اذ تعاني الكثير من البرامج من بدائية واضحة وسطحية في الطرح وضعف القدرة على الجذب للرياضة بوصفها اسلوب حياة وعلى التحليل الرياضي الذي لم يعد مجرد قراءة بسيطة لما يحدث داخل الملعب بل تحول إلى علم متكامل يقوم على البيانات والتقنيات والذكاء الاصطناعي وفهم السياق الإداري والمالي والنفسي المحيط بالرياضة “اليوم لم يعد المحلل ينجح ببلاغته فقط بل بأدواته وعمق معرفته وقدرته على ربط التفاصيل الصغيرة بالصورة الكبرى وصناعة المعلومات” وغالبا ما تكتفي بإعادة تدوير نفس الحوارات بشكل يجذب اثارة الوقت القصير لكنه لا يقدم معرفة ولا يبني وعيا للفرد والمجتمع
ويتشكل داخل المشهد الاعلامي ثلاث مسارات رئيسية يجب فهمها وتحليلها جيداً وهي المسار الجماهيري الذي يعيش على نبض الاندية والجدل السريع المسار الاحترافي الذي يحاول بناء رؤية تحليلية تعتمد على الارقام والمنهجية والمسار المتخصص الذي يتعامل مع الرياضة بوصفها صناعة كبرى تناقش الاقتصاد والاستثمار والتحولات الادارية وهذه المسارات تكشف حجم الفجوة بين اعلام يبحث عن الاثارة واعلام يبحث عن صناعة المعرفة اضافة لفهم تفاصيل وخفايا تفاصيل المنافسات الرياضية
وعلية فالتحديات التي تواجه الاعلاميين اليوم اعمق من مجرد ضعف البرامج اذ يعاني الوسط الاعلامي الرياضي من صعوبة واضحة في التأهل واصدار التصاريح اللازمة للتغطيات الميدانية وخوض العمل داخل المنشآت والملاعب وهذه العملية غالبا ما يشوبها قدر من المحسوبية والمجاملات التي تسمح بمرور اسماء محددة وتحجب الفرصة عن اسماء اخرى اكثر مهنية وكفاءة مما يخلق بيئة غير عادلة ويعيق فرص التجديد وضخ دماء جديدة قادرة على مواكبة التحول
ويبرز تحد اخر يتمثل في احتكار عدد من الاعلاميين الغير مرنيين وغير قادرين على التطور للمشهد الميداني والبرامجي حيث يملكون النفوذ والعلاقات التي تمنحهم الاولوية في الظهور والعمل والتغطية بينما يجد الاعلاميون الجدد صعوبة في الدخول والمنافسة رغم امتلاكهم الادوات والمهارات الحديثة وهذا الاحتكار يعمق الفجوة بين الاعلام الحديث الذي تحتاجه الرياضة السعودية وبين اعلام قديم لا يزال يعيش على ارث الماضي
وتضاف الى هذه التحديات صعوبة الحصول على المعلومة الدقيقة سواء من الاندية او الاتحادات او الجهات الرسمية لعدم وجود قنوات اتصال واضحة وحديثة تنقل البيانات بسرعة وباحترافية مما يجعل الكثير من الاعلاميين يلجؤون الى مصادر غير موثوقة او اجتهادات فردية تزيد من ضبابية المشهد وتضعف جودة التحليل
ومع كل هذه الصعوبات تبقى مكانة الاعلامي الرياضي اليوم اكثر تعقيدا واكبر مسؤولية اذ لم يعد مجرد ناقل للخبر بل اصبح مطالبا بأن يكون باحثا ومحللا وصانع محتوى وقادرا على قراءة التحولات الوطنية التي تحدث داخل الرياضة السعودية هذا الدور الجديد يحتاج الى بيئة مؤسسية تحميه وتدعمه وتوفر له الادوات التي تليق بالمشهد المتطور
الخلاصة ان الاعلام الرياضي السعودي يقف على عتبة تحول حقيقي لا يحتمل المجاملات ولا احتكار الفرص ولا استمرار العقلية القديمة هو مطالب اليوم بأن يتحرر من السطحية والمحسوبية وان يعيد تموضع الاعلامي في مكانه الطبيعي كصوت مهني مستقل وشريك اساسي في صناعة مستقبل الرياضة السعودية التي تتجه بثبات نحو موقع عالمي غير مسبوق.
This site is protected by wp-copyrightpro.com