الـرحــيـــل | عبدالله العبيدالله
11 سبتمبر 2020
0
63360

 

قد تضطرنا الظروف للإستسلام، والرحيل بصمت دون عودة، قد نتألم ونعاني ولكننا نوقن أن ما نقوم به هو الصواب، وأنه على الرغم من صعوبة الموقف إلا أن هذا سيزيدنا قوة وإستمرار
حين تكتشف أن المكان ليس مكانك، وأن الإحساس ليس إحساسك، وأن الأشياء حولك لم تعد تشبهك، وأن مُدن أحلامك ما عادت تتسع لك عندها لا تتردد وارحل بلا صوت.
عندما تعجز كلماتنا عن وصف إحساسنا يصبح رحيلنا بصمت أصدق تعبير عن ما بداخلنا.
عند الرحيل لا تضيع وقتك في البحث في أحشاء اللغة لإنتقاء كلمات الحب أو الإعتذار أو الوداع، فكل الكلمات التي تولد لحظة الفراق،
إنما هي مجرد محاولات فاشلة لتبرير وتفسير هروبك. لسّت ضعيف لكن لم أسّتطع التحمل أكّثر، يا دنيا أخبريهم أن لي قلباً ليس من حجر فقررت الرحيل.
عند الرحيل يغلق البعض في وجهك كل أبواب الرحيل، كي يمنعك من الرحيل لأنه يحبك، والبعض يعترف لك بحبه عند الرحيل كي يبقيك معه، ويكتشف البعض الأخر أنه يحبك بعد الرحيل فيحترق ويحرقك بإكتشافه المتأخر.
حين تقرر الرحيل لا تدفن رأسك في الرمال كما النعامة، كي لا تلمح وجوه أولئك الذين أحبوك بصدق، وراهنوا على بقائك معهم فخذلتهم برحيلك
ولا تبكي بصوت مرتفع كالأطفال كي يصل صوتك لأولئك الذين أحببتهم بالصدق ذاته فخذلوك،
أترك المساحات خلفك بيضاء وشاسعة لهؤلاء وهؤلاء، كي يمارس كل منهم طقوس حنينه إليك بطريقته الخاصة، وتأكد مهما كان لون أو شكل حجم صمتك عند الرحيل، فلرحيلك صوت قد تسمعه كل الكائنات، لكنه لن يؤلم أبداً ولن يصل إلا لأولئك الذين يشكل لهم وجودك شيئاً من الوجود.
البعض يشتري إحساسك لأنه يحبك، والبعض الآخر يبيع إحساسك لأنك تحبه،
ومضة الرحيل بلا صوت هو أجمل هدية نقدمها لأنفسنا كي نختصر بها مسافات الألم والإحباط والفشل حين نشعر بأن كلماتنا لا تصل إليهم.
أحببت الحياة فعذبتني
أحببت الزمن ولم يرحمني، أحببت الفرح فبكاني، أحببت الحزن فرافقني، أحببت الصديق فلم يفهمني، أحببت الحبيب فذهب ولم يتذكرني، فكرهت كل شيء ورحلت دون عودة.
صمت الرحيل، أصعب من الكلام الذي يقال، نظرات الصمت المليئة بالدموع أصعب من الكلام النظرات التائهة والحائرة في وجوه الأشخاص الذين سوف يتركونا أصعب،
وبعد ذلك يبقى لي أن اقول أن صخب الهدوء وضجيج الصمت سوف يظلان هما رفيقا الهدوء.
الصمت ورفض الحديث أو الإشاره إليه قد يكون هو الرد المناسب، على بعض الأفعال أو التصرفات التي لا رد لها، وربما كان أيضاً رداً على بعض الأقوال التي يعجز اللسان عن الرد عنها، وقد لايعبر عن ضعف بل قد يكون منتهى القوة بالنسبه إلينا،
فحين نرى ما لا نستطيع تجاهله لأنه بكل بساطه واقع سيء وباطل مرير، لا نستطيع تغييره أو الرد عليه رداً مناسباً ورداً حاسماً.
عذراً حبيبي ربما لن أنساك ولكن سأمهل قلبي بعض الوقت ليلملم جراحه، وليستعيد نشاطه من جديد حتى يقوى على محاولة نسيانك والرحيل بصمت دون عودة.
صمتي لن يكون ضعفاً بل هو قوة لي، سأصمت وأرحل وسأقدم للصمت فائق إحترامي.
نرحل بصمت أحياناً ليس لضعف فينا، حتى لو فسره الآخرون كذلك، نحن نرحل بصمت لأن كل شيء إنتهى ولن يعود،
نرحل بصمت لأننا نعلم أن الجُرح أكبر من الكلام الذي يقال، فما فائدة الحديث لقلوب صماء لا ترى سوى نفسها فقط.
لست وحدك من أخطأ بحقي في الغياب، فأنا كل يوم أخطئ بحق نفسي عندما أنتظرك.
عندما تجلس لوحدك وتتذكر من كان يونسك على قارعة الطريق، الآن بعد الرحيل تجلس لوحدك مع ذكريات مضت تجلس بصمت متأمل ما حدث وما يمكن أن يحدث، لحظات لا نحبها ومن الصعب تجاهلها، إنها لحظات صعبة وذكريات مؤلمة جداً تسرق منا أجمل اللحظات،
لحظات السعادة تمضي كلمح البصر وتنتهي كي تفسح مجال للحزن ليحتل قلوبنا،
تمضي الأيام بنا ونسير مع الحياة، تبتعد خطواتنا ونقترب من اللحظات الأخيرة.
لقد قررت الرحيل، سأرحل وأنا أحمل الحب بين ضلوعي، سأهجرك سأترك قوافل حبك تسلك طريقها وحدها، لقد كانت تقودني إلى الضياع، لكنني لم أيأس منها، كنت ألملم خطواتي وأخطوا إليك تبعثرت وتبعثرت، لكني أكملت طريقي إليك،
أحسست بأنها لعبة من ألاعيبك، لكن الحب والشوق واللهفة شغلتني عن الحقيقة، وأنت للأسف كنتي مجرد مخادعه ، تدعين الحب والغرام والصدق، لكنك بلا مشاعر بلا أحاسيس، فأنا لا أعاتبك ولا أهينك لكنني حزين جداً، حزين لأنني سأرحل من حياتك وأتركك، سأرحل لأني لم أعد أحتمل كل هذا الألم والعذاب قررت الرحيل، الرحيل بصمت،
لكن ماذا بي أن أفعل بالحب الذي يحويني أعلم بأنني سأتعذب بفراقك وسأحتاجك لكنني سأرحل.
نحن عندما نكتب لا نكتب بحبر القلم، بل نكتب بدماء القلوب، فعذراً إن ظهرت بعض الجراح على السطور،
سئمت واكتفيت من الكلام فأثرت الصمت ولغة العيون‬، ‫سأصمت، نعم سأصمت، وأدع الحبر يتكلم عني لأننا نتقن الصمت.‬
عندما نختار الرحيل بصمت هذا لايعني بالضرورة سذاجتنا أو أننا لا نعي ما يدور من حولنا،
بل في ذلك إرضاء لرغبتنا تجاه من نحب ….

بقلم: عبدالله العبيدالله
11 سبتمبر 2019


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com