القصة فى معرض الكتاب
12 يوليو 2021
0
36531

 

مقال للدكتور عبد الرحمن نصار استاذ التفسير ووكيل مدرية الأوقاف بالإسكندرية

القصة عمل ذو أفنان وأركان،
القصة بينان وحدث مكتمل وبيان ،
القصة عمل حقيقى حيناً،وخيالي أحيانا ،
القصة :-
………
القصة كلمة وحدث وحياة ونبأ وعشق ومرحلة وحكاية وخبر ومشهد ،
القصة حكاية حال ماضية ،
وحكاية حال حاضرة ،
وحكاية حال مستقبلة ،
القصة لا تقف فى ميدان ،
ولا تتقيد بزمان ،
القصة عمل لا يعرف الأصفاد،
القصة عمل فنى وإبداعى ،
……………………….
إذا شعرت أننى أثنى على القصة فلست إلا صادقاً،
وإذا أحسست أنى أطارح القصص الحب ،فلست إلا صادقاً.
وإذا أردت أن تعرف إلى أى مدى تؤثر القصة فى متناولها ،قراءة وسماعاً ،
فانظر حولك وفى سيرتك ،
أتراها جاذبة لك آخذة بأذنك ؟
………….
فيما مضى كانت سُنة الأمهات والجدات إلقاء قصة على الأطفال فى حال استعدادهم للنوم ،وما هو إلا أن يسمع الطفل فيستغرق فى النوم ،فتقوم عنه الراوية لتباشر عملها .
فيما مضى كانت سنة المعلمين إلقاء القصص على الناشئة من المتعلمين حتى تتمكن المعلومة من عقولهم وتؤثر فى مواجيدهم بعد أن تستقر بتفاصيلها فى وجدانهم .
وما حياتنا وحياة من سبقنا إلا قصة ،كتبت أحداثها بأقدار أصحابها .
الإيمان بكل تفاصيله قصة ،
ولذا سمى الشيخ نديم الجسر رحمه الله أحد أهم الكتب الثقافية التى صدرت فى الستين سنة الأخيرة (قصة الإيمان ).
الحضارات بكل وجوهها وعطائها وتفاصيلها وأشكالها قصة ،واذا سمى الكاتب الأميركى وول ديورانت أهم كتبه وأضخمها (قصة الحضارة )..
………………….
والقصة ليست رفاهة نضيع بها وقتاً أو نتسامر بها فى مجلس ،
بل لها منافعها الجياد ،
تتحدد هذه المنافع بناء على الغرض الذى سيقت من أجله القصة .
غير أننا يجب أن نقيم فوارق بين كل قصة وبين قصص القرآن الكريم .
أهم هذه الفوارق على الإطلاق :أن القصة القرآنية لا تشتمل إلا على أحداث حقيقية ،ولا يمكن لأية تفصيلة مرتبطة بالقصة إلا أن تكون حقاً وواقعاً ،قال تعالى ((إن هذا لهو القصص الحق )).
القصة القرآنية تأتى لتثبيت من يسمعها حتى ولو كان نبياً ((وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك )).
القصة القرآنية للإعتبار والاتعاظ ((لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه ….)).
وللقصة القرآنية أغراض فوق ذلك .
ولا تخضع هذه القصة لما يخضع له القصص المؤلف من عوامل البناء القصصي التى ينتطح فيها النقاد .
حتى مع وجود كتابات تناولت القصص القرآني بما لايليق بجماله وجلاله ،يبقى القصص القرآني مستعلياً ومتفرداً فى كل شيئ .
وسنوقفك على بعض صوره ،
ومن ذلك أنك ترى القصة مرة طويلة ومجتمعة فى مكان واحد كقصة يوسف عليه وعلى نبينا والنبيين جميعاً الصلاة والسلام .
و تراها كذلك طويلة ومفرقة فى مواضع شتى من القرآن لا سيما المكى منه كقصص إبراهيم ونوح وهود وصالح وموسى عليهم وعلى نبينا والنبيين جميعاً الصلاة والسلام .
ومرة تراها قصيرة ومفرقة فى مواضع شتى .
ومرة تراها قصيرة ومجتمعة فى مكان واحد ،كقصة أصحاب الفيل ،
وهو لون كذلك من التحدى ،كأنه يقول :دونكم القرآن ودونكم قصصه فأتوا بشيئ من مثله إن استطعتم .
وكل ما يشبه التكرار فى القصة القرآنية لابد فيه من إضافة جديدة فى كل موقع وموضع ترد فيه.
وما يجرى على عموم القرآن من أنه لا يخلق على كثرة الرد يجرى على قصصه .
ولا يمكنك أن تحكم على جودة القصة القرآنية فى موضع ثم تتنزل عن هذا الحكم فى موضع آخر ،فكله فى الحق والحسن والاعتبار سواء .
وليس كذلك بقية القصص ،فهو يتميز بعضه على بعض ،بل إن الكاتب الواحد قد يحسن فى قصة ،ويخالف الحسن ويباعده فى قصة أخرى .
وفى أسماء المؤلفين للقصص وفى قصصهم ما يستحسن وما لا يستحسن ،والنقاد لهم فى ذلك صولات وجولات .
بل إن كلمة النقاد لا تكاد تتفق فى كل أحكامها على الكاتب الواحد مهما بلغ من الإمتاع والمؤانسة ،
والقصة المؤلفة لا تسير على نسق واحد فمنها الكلاسيكي وغيره .
ومنها العاطفى وغيره .
ومنها الخيالى سواء ما تعلق بالأحداث أو ارتبط بالعلم فأطلق عليه الخيال العلمى .
وقديماً كانت أرفف المكتبات محجوزة عادة لأسماء بعينها من المؤلفين ،العرب والأجانب من أمثال جورجى زيدان ،وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والمنفلوطى ومحمود تيمور وفريد أبو حديد وغيرهم من العرب سواء كانت هذه الروايات من إنتاجهم أو تعريبهم ،
ومن الأجانب أمثال أجاثا كريستى وفرانسوا كوبيه وديستوفسكى وغيرهم .
واليوم نشاهد فى معارض الكتب أسماء جديدة وكثيرة تجيد أحياناً وتتعثر أحياناً ،بعضها يقبل التوجيه وبعضها يتململ منه ،ولا يحب أن يسمع إلا كلمة الإطراء وعبارات الثناء .
وفى قصص اللاحقين أفكار وأحلام ووقائع تتميز فى بعض عناصرها التركيبية عن القصص القديم وقدامى الكتاب ،
ولا يظنن قارئ أن التطور وإن وقف بجانبهم حيناً ،فإن ذلك لم يكن خبطة حظ ،بل ثمرة عمل متواصل وأمانى كثيرة يسعى وراءها الكُتاب الجدد ،وهى أحلام مشروعة ،وليعلموا أن الأحلام لا تقنع من صاحبها بمجرد التمنى ،ولكنها لأجل أن تتحقق تريد سعياً موصولاً وعملاً لا يتوقف ،ورؤية مستبصرة وذوقاً لماحاً وحساً أدبياً عالياً وراقياً ومتطلعاً،
…..
وكثرة المعروض من القصص بالمعارض لنا فيه رأى بعد حين بإذنه تعالى.
ولكنه يشير وبقوة إلى تأثير القصة على المتلقى ،وعلى حياته .
وكل الأعمال الفنية بأسمائها المختلفة وفى أزمنتها المتتابعة من أول الخليقة وإلى منتهاها ما هى فى حقيقتها إلا قصة .
وأنا وأنت وهو وهى وحيواتنا قصة ،لكل واحد منا أن يعيشها بحسب ما قدر له.
وقصة كل منا قد يتأتى أن تجد كاتباً أو راوياً يحسن سبكها وعرضها وقصها ،أو تطوى فلا تروى ،وما ذلك بعيب فينا ولا فى الكاتبين ،
فالأنبياء أنفسهم عليهم جميعاً الصلاة والسلام قد عرفنا قصة بعضهم وغابت عنا قصة بعضهم ،وقد قال ربنا عز وجل فى ذلك ((منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك )).
القصة وسيلة تعليمية راقية ومؤثرة ،ووسيلة ترفيهية راقية ومؤثرة ،ووسيلة بيانية وحياتية راقية ومؤثرة ،ووسيلة توضيحية راقية ومؤثرة ،ووسيلة لمعرفة حيوات من سبقونا راقية ومؤثرة ،ووسيلة يذكرنا بها من بعدنا ،حتى وإن كانت حيواتنا لا تستحق الرواية ولا يجد الراوى فيها ما ينفع الناس ،ففى حياة غيرنا ممن يحيا بيننا ويعيش أيامنا ما يستحق أن يروى ،
لتذهب قصة حياتنا إلى حيث شاءت من زوايا النسيان ،
ولتبقى الحيوات الحافلة بأحداثها وأشخاصها مروية وموثقة فى قصة ،
والأيام مع القراء كلاهما يستبقى من القصص ما ينفع ولو من وجه .
(وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض )
حتى ولو كان قصة .
……………
ويبقى التأكيد على أن القصص المصنوع كلما أغرق فى التخيل أغدق فى الإبداع .


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com