الموضوعية والذاتية فى المعرفة العلمية
25 أكتوبر 2021
0
51975

أ.د.فاطمة الزهراء سالم محمود مصطفى
أستاذ فلسفة واجتماعيات التربية والسياسات التعليمية
Fatmasalem@edu.asu.edu.eg

مع التطور العلمى الشديد فى المعرفة العلمية والإنسانية، ومع دخول عصر التكنولوجيا فائقة السرعة، وتحويل كل شئ إلى مادة إلكترونية أو رمز أو كود للتعامل من أجل سرعة تحقيق الأهداف، والوصول إلى النتائج مع كل هذا التطور والتقدم يبزغ سؤال الذاتية والموضوعية العلمية من جديد .
فهل هناك مجال للموضوعية العلميةScientific Objectivity فى عالم التكنولوجيا فائقة السرعة؟
وبالمثل ما موقف الذاتية Subjectivity من النزاهة العلمية فى عصر التكنولوجيا ،وإنترنت الأشياء ؟
أين ما كان بالأمس يُحارب من أجله علماء الإجتماع أمثال ماكس فيبر ،وأوجست كونت ،والفلاسفة أمثال هيجل وكانط ،وبرتراند رسل من التمسك بالموضوعية العلمية مع الحفاظ على الذاتية الثقافية ،والهوية الإنسانية للعالم ،والفيلسوف ،والإنسان ،والمجتمع، وأهمية إبراز الهوية الثقافية للمجتمعات والشعوب وسط الهويات المتباينة؟!
ويجدر بنا فى المبتدأ التعريف بالموضوعية من وجهة نظر علمية وهى ؛ البعد عن الإنحياز للأفكار، والإلتزام بالشفافية عند جمع البيانات والمعلومات، وإبراز وجهة النظر الشخصية دون الأخذ عن الآخرين من غير إشارة إليهم أو تنويه لأعمالهم .
كما أن الموضوعية العلمية لا تنفى الذاتية، ولا تُدحضها من أجل النزاهة العلمية، وإنما حرص العلماء والفلاسفة على التأكيد على أهمية ذاتية الباحث العلمى من أجل استجلاء موضوعية البحث العلمي ،والقضية المطروحة للنقاش.
أى أن القول بالموضوعية لا يتنافى مع الذاتية، بل كلا الرافدين يشكلا نهر العلم والمعرفة .
وما يدعو إليه الفكر الفلسفى منذ نشأته من تكوين النسق ،والمذهب الخاص بالفيلسوف لا يتعارض بدوره مع ما يدعو إليه العلماء من تكوين النسق العلمى المُتفق عليه بالملاحظة والتجربة والوصول إلى نتائج موضوعية لا زيف بها أو خداع علمى .
كما أن بداية التساؤل العلمى حول قضايا الكون والطبيعة يبدأ من ذهن الباحث أو الإنسان عن الموضوع المبحوث، وكأن العلم يبدأ بالذاتية من حيث اختيار الموضوع أو المشكلة البحثية، واختيار المنهج ،والأدوات اللازمة للحل، وأماكن جمع البيانات والمعلومات، وصياغة الفروض ثم الإنطلاق إلى الموضوعية من خلال اثبات المقولات الذاتية ،والأفكار الذهنية فى سياق جمعى ، وأدلة وشواهد عينية تثبت كافة المنطلقات الذاتية التى اهتدى إليها الباحث العلمى .
وبالمثل الطرح الفلسفى الذى يبدأ بالوهج الفكرى عند الفيلسوف ،ويريد إثباته بالبرهان العقلى ،والأدلة المنطقية، من أجل اقناع الآخرين بالمذهب أو الرؤية الفلسفية التى تشكل حياة المجتمعات لسنوات طويلة لما تحمله من حكمة ،وخبرة تفيد فى بناء الأمم .
ومع المناداة المستمرة بالموضوعية ،والشفافية ،والنزاهة العلمية للباحثين، والتحلى بالأمانة العلمية، والإلتزام بالأطروحات المتنوعة ،وعدم التشبث برأى أوحد حتى ،وإن كان صحيحاً من وجهة نظر الباحث، فإننا بصدد وقفة ذهنية ،وعقلية للطرح التكنولوجى الحاصل ،والذى يتقدم يوماً بعد يوم لفرض قدراته الذاتية على الموضوعية الإنسانية، والجموع الإنسانى ،والقدرات البشرية.
والمد التكنولوجى أو الرقمى قد يفوق قدرات العقل الإنسانى بفضل هيمنة ذاتية من فئات تمتلك التكنولوجيا وتسيطر على العقول البشرية بأكملها نتيجة القصور فى وضع ضوابط أخلاقية علمية لهذا المد التكنولوجى الرقمى الرهيب الذى أخمد العقول الإنسانية عن التفكير بموضوعية، وجعل المتحدث الرسمى الأوحد فى عالم الإنسانية هو التكنولوجيا والرقمنة ،والرموز ،والشفرات ،والأكواد ،والأجهزة .
ونأمل أن يكون للمجلس العلمى والتكنولوجى الدولى وقفة إنسانية لوضع ضوابط لأخلاقيات العلم وحددوده والرقمنة الناشئة فى كل شئ  كى لا تسطو التكنولوجيا بذاتيتها المًفرطة على العقل الإنسانى والموضوعية البشرية فى القرن القادم .
فلا يمكن تصور فى عالم إنسانى واقعى تكنولوجيا افتراضية فاعلة ومحركة، وأناس مفعول بهم، وينصاعون لكل متطلبات عالم الرقمنة اللامحدود واللامتناهى التقدم .
fatmasalem@edu.asu.edu.eg


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com