بين الأمس والحاضر! | هدى الفردان

27 نوفمبر 2020

65241

انتشرت الأخبار عن الوباء الذي كان في بادئ الأمر عدةُ حالاتٍ متفرقةٍ في دول العالم البعيد، ولم يلقِ له أحدٌ بالًا، لم يتخيل أحد أنه سيتوغل بيننا بهذه السرعة، وأنه سيتفشى في كل دول العالم، شرقًا وغربًا، دونما سيطرة، ودونما خطةٍ واضحةٍ أو عقارٍ للقضاء عليه!

سكن الخوف الملامح وعشَّش في البيوت ودبَّ القلق في القلوب، بُعثر روتين حياتنا وأصبح حطامًا وذكريات قديمة رحلنا عنها آسفين، جلسنا نراقب السوشيال ميديا نترقب الأخبار ونرصد الحالات، نعيش في حظر جزئي تارةً وفي حظر كامل تارةً أخرى. أصابنا ما أصابنا ويئسنا، وربما زارتنا الكآبة بحضورها الثقيل حين قُيدت حريتنا!

أصبحنا نخاف السلام ونحارب العناق ونرفض الزيارات.

هكذا ينتشر الوباء، دون تمييز بين الناس، لا يختار أحدهم حسب العمر أو النسب أو المنصب، وأصاب الشعوب الغنية والفقيرة. فيروس لا يُرى بالعين المجردة، أُصيب به مَنْ يختبئون خلف الكواليس ومَنْ يسكنون البروج العاجية، ومن يتجولون في الشوارع المزدحمة؛ بحثًا عن رزقهم. هكذا شاءتِ الأقدار، وهذا ما أراد الله، أن يتساوى جميع خلقه، وهكذا كانت رحمته بالجميع، تلك هي أكبر مساواة إلهية، فلا اعتراض عليها.

ولا يسعني إلا أن أتذكر واحدة من أقسى القصص التي قابلتني مع المصابين، حيث أُصيب الوالد وابنه، كلاهما كان يتناول نفس جرعات العلاج لكن شاءتِ الأقدار أن يزورَنا ملكُ الموت؛ ليأخذَ مَنْ خُتم عمره وحانت ساعته في صباح كان مُشبَعًا بالأحزان وقلة الحيلة. ذهب الوالد جوارَ ربه عن عمر يناهز الثمانين عامًا، لم تكن صحته تتحمل الإصابة، تمكَّن منه الفيروس بسهولة. وبعد محاولات عدةٍ لإنعاشه لم تستطعْ الحياة أن تنتصرَ على الموت، كانت أضعفَ من الإمساك به. لقد رحل إلى السماء بتأشيرة خروج نهائية عن الدنيا إلى دار القرار، رحمه الله وتغمده بأوسع رحمته وجعله من أهل جنته.

من أصعب المواقف التي مررتُ بها في حياتي، أن أرى الابن ينتقل من سريره في ضعف وانكسار تجاه سرير والده كي يقبِّلَ جبينه قبلة الوداع، ويلقنه الشهادةَ وهو يئنُّ من فرط الوجع ونقص الأكسجين، بينما نحاول تثبيت “الماسك” على وجهه وهو ينزعه؛ ليأخذَ تنهيدةً طويلةً ممتلئةً بالبكاء الصامت وكسرةِ القلب، يعقبها زفيرٌ حارٌ بين دمعٍ وقلة حيلة وتسليم أمره لله!

الروائية هدى الفردان

مقالات الكتاب