حرائق وفيضانات وبراكين تغير المناخ …….. إلى أين ؟
27 أغسطس 2021
0
40590

 

 

بقلم الدكتورة/ أميرة عبد العظيم

دكتور القانون الدولي العام بجامعة الأزهر  

 

تعتبر التغيرات المناخية التي تحدث في طبقات الغلاف الجوي من أكبر التحديات البيئية التي تواجه البشرية في هذه الآونة، لما لها من انعكاسات سلبية على المستوى البيئي والاقتصادي والاجتماعي، لذا أصبح التغير في مناخ الأرض وآثاره الضارة شاغلاً مشتركاً للعالم أجمع.

ومصطلح تغير المناخ يطلق عند حدوث اختلال في الظروف المناخية المعتادة للغلاف الجوي كموجات الحر الشديد، وتقلص الكتل الجليدية، وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحار، وازدياد حدوث الزلازل والبراكين، والفيضانات، والأعاصير، والجفاف. ولكل منطقة حظها من التغير المناخي، إذ أن آثاره ليست واحدة على كل مناطق العالم. بل تختلف من منطقة إلى أخرى، طبقا لموقعها الجغرافي، وقدرة تلك المنطقة وأنظمتها الاجتماعية والبيئية على التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره، وعادةً ما يستمر التغير المناخي الذي يطرأ على الأرض فترات طويلة تتجاوز عقودا من الزمن.

وقد أسهمت مجموعة من العوامل في إبراز الخطر الذي بات يحدق ببيئة الإنسان، فالتقدم العلمي والتقني الهائل في هذا العصر الذي نعيش فيه، مع كل ما صاحبه من رخاء مادي أدى إلى الأضرار بالبيئة المادية للإنسان، وخصوصاً التقدم الصناعي، واتجاه الإنسان إلى استخدام الكثير من المنتجات الصناعية مما ترتب عليه من ازدياد المخلفات الناتجة عن الاستهلاك، وأدى الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية، واستخدام البترول ومشتقاته في الحياة اليومية على نطاق واسع، إلى التأثير على الهواء. وتساهم أيضا الاستخدامات الطبية بنصيب كبير في هذا التلوث الذي ينتج عن الأشعة السينية وإبر الراديوم وحقن اليود والفوسفور.

وأيضا التلوث الناتج عن الجسيمات والغبار والمتمثل في ذرات الرمال وجزيئات المعادن والفحم والدخان والمطاط والأبخرة والضباب. ولعل أهم مصادر هذه الملوثات هي عمليات هدم المباني، وأنشطة استخراج المعادن والأحجار من المناجم، ومصانع الأسمنت، والأسمدة الفوسفاتية، وكسارات الأحجار، والعواصف الترابية. فضلا عن جسيمات المطاط الناتجة عن احتكاك وتآكل إطارات السيارات والتي تسقط يوميا في الشوارع.

كما أن اكتشاف الطاقة الذرية ثم النووية والهيدروجينية، والقيام بإجراء التجارب عليها وتسرب الاشعاعات الناجمة عنها في بعض المناطق أدي إلى إحداث أضرار بالغة بالحياة الإنسانية، وحياة الحيوان والنبات بها، كما أدى اتساع حركة النقل البحري إلى إلحاق ضرر بالبيئة البحرية نتيجة لكميات البترول المستخدمة كوقود لمحركات السفن والتي تتسرب إلى المياه، أو لغرق بعض ناقلات البترول الضخمة وتدفق حمولتها من البترول والتي تبلغ آلاف الأطنان.

وتظل الدول الصناعية على رأس قائمة المصادر الحقيقية للغازات المسببة للاحتباس الحراري بسبب الصناعات والأعمال والاستخدامات الكثيفة في تلك الدول والتي تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير على الرغم من قلة سكانها مقارنة بغيرها من دول العالم الثالث؛ فمثلاً تشكل أوربا واليابان ما يقرب من( ١٥%) من سكان العالم، إلا أنهم مسؤولون عن ثلثي غاز ثاني أكسيد الكربون (٦٦%) المنبعث في الجو حتى يومنا هذا.

أما الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يزيد عدد سكانها عن 5% من سكان العالم، فهي مسؤولة   عن (٢٥%) من إجمالي الغازات المنبعثة في الأجواء العالمية. أي أن أقل من (٢٠%) من سكان العالم يتسببون بإطلاق أكثر من ( ٩١% ) من الغازات المدمرة في العالم. وتنتشر هذه الغازات في الغلاف الجوي بواسطة الرياح ليعاني منها من تسبب فيها ومن لم يتسبب على حد سواء.

ولا ننسى ما تلحقه الألغام من أضرار جسيمة بالبيئة والحياة الفطرية حيث تؤدي مخلفات الألغام المتفجرة إلى تلوث التربة مما يفقدها خصوبتها وينقص إنتاجيتها، كما تتسبب في هلاك قطعان الماشية والحيوانات البرية عند دخولها في حقول الألغام. وتشير التقديرات إلى أن الألغام تسببت في مقتل ما لا يقل عن (627) ألف حيوان في (23) دولة بما في ذلك بعض الحيوانات النادرة كالفيلة في إفريقيا والدببة البنية اللون في البوسنة والهرسك والجاموس في العديد من دول جنوب شرق آسيا.

وتوقع علماء المناخ أن يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، مما يهدد بحصول كوارث جديدة بسبب شدة موجات الحرّ والحرائق والفيضانات المتتالية وغيرها الكثير، والذي يعد بمثابة ناقوس خطر يتطلب ضرورة التحرك بوتيرة أسرع للحد من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية.

وعلى الرغم من أن جائحة كورونا ( ِCovid- 19 ( أدت إلى انخفاض مؤقت في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري-على حد قول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية – فإن هذا لا يحل محل العمل المناخي المستدام؛ إذ لا تزال تركيزات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في محطات الإبلاغ الرئيسية عند مستويات قياسية.

ومن أهم الجهود التي بذلت على المستوى الدولي إنشاء هيئة حكومية دولية معنية بتغير المناخ (IPCC)   تابعة للأمم المتحدة، ومهمة هذه في المقام الأول، تقييم العلوم المتعلقة بتغير المناخ، وتزويد صانعي السياسات بتقييمات علمية منتظمة حول تغير المناخ وآثاره والمخاطر المستقبلية المحتملة، فضلاً عن طرح خيارات التكيف والتخفيف، وتتألف من فريق عدده 1300 خبيرا يمثلون مختلف دول العالم، وتعد أكبر جهة دولية تُعنى بدراسة تغير المناخ وآثاره.

وأخيرا على الدول أن تكيف ظروفها لمواجهة التغيرات المناخية وجعل خططها على المستوى الوطني متسقة معها، بالإضافة إلى العمل على نقل التكنولوجيا وبناء القدرات في مجالات البيئة والزراعة والصناعة والطاقة والبحوث والرصد المناخي وذلك للحفاظ على الموارد الطبيعية وحسن إدارتها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يستلزم معه إعادة النظر في السياسات الحالية المتعلقة بالطاقة، وتدعيم التغيرات اللازمة في أساليب استهلاكها، والتحفيز على إقامة مشروعات التكامل الإقليمي في مجال الطاقة، وإلزام الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة وتزويدها بالتمويل ودعمها في التأقلم مع التغير المناخي والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة فضلا عن تطبيق ما جاء في اتفاق باريس بشأن المناخ عام 2015م.

 


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com