ش اس | الشاعر العراقي وحيد خيون ضيف شبكة الاعلام السعودي
15 أغسطس 2016
0
225819
ش ا س – اعداد وحوار : ناصر الحجي
تحرير : صالح سالم
متابعي شبكه الاعلام السعودي الاخباريه اهلابكم وأسعد الله أوقاتكم بكل خير متمنين لكم قضاء اسعد الاوقات هنا عبر صفحاتنا المتواضعه .
باسمي وبأسمكم نرحب في ضيفنا لهذا اليوم الشاعر العراقي/ وحيد خيون اهلابك واسمح لي ان بدأ بالحوار
* حدثنا عن بدايتك مع الشعر ؟
اهلا بكم وأنا سعيد بتواجدي معكم هنا عبر صفحاتكم العطره حقيقه لا أتذكرُ بالضبطِ متى بدأتُ ، لكنني تعودتُ أنْ أكتبَ التأريخَ تحتَ كلِّ قصيدةٍ أو بيتٍ أو خاطرةٍ أكتبُها لإهتمامي الشديدِ بالتأريخِ ، ربّما أتى حبّي للتواريخِ بسبَبِ فقداني لتأريخِ ميلادي وشعوري بالأسفِ الشديدِ لعدمِ اهتمامِ أهلي بذلكَ التأريخِ الذي جئتُ فيهِ إلى دنيا لم أكنْ معها على موعدٍ ، لذلكَ فأنا أكتبُ تأريخَ كلِّ شيءٍ.
بدأتُ في المدرسةِ الإبتدائيةِ أقرأُ شعراً باللهجةٍ العراقيةِ في المناسباتِ والحفلاتِ و كنتُ في الصفِّ السادسِ الإبتدائي قد أحببتُ فتاةً في صفي لم أشأْ خجلاً أنْ أبوحَ لها بغرامي بها فبدأتُ أكتبُ وأشطبُ أو أكتبُ وأخْفي وقد كنتُ أكتبُ بكلِّ لونٍ أستطيعُ أنْ أعبرَ لها بهِ عن عشقي ، فبدأتُ أكتبُ باللغةِ العربيةِ إلى أنْ انتقلتُ الى المرحلةِ الثانويةِ فبدأتْ لغتي العربيةُ تتطورُ بشكلٍ واضحٍ فكتبتُ أوّلَ قصيدةٍ حقيقيةٍ أعجبتْ أستاذي في اللغةِ العربيةِ (الأستاذ عبد العالي صالح الفرعون) ونصحني بإرسالها إلى الصحفِ وقد نُشِرتْ في جريدةِ الراصدِ ببغدادَ عام ١٩٨٣ وأذكرُ منها :
وإني وحقِّ اللهِ لمّا فقدْتُها
بكيتُ ببابِ الدارِ حتى بكى ليا
فياليتَ ذي قارٍ تدانتْ لبصرةٍ
ويا ليتَ أرجاءَ الزبيرِ انتمى ليا
وكانتْ هذهِ اولَ القصائدِ التي نشرتُها فكانَ لنشرِها وقعٌ جميلٌ في قلبي لن أنساهُ أبداً لسببينِ الأولُ انني بدأتُ أضعُ قدمي على طريقِ الأدبِ والثاني أنني بدأتُ أستطيعُ ايصالَ افكاري ومشاعري الى المقصودِ بسهولةٍ ، وكنتُ في وقتِها في الرابعِ الثانوي وأتذكرُ الطلبةَ وهم يقرؤونَ الصحفَ التي تنشرُ قصائدي فكانَ شعوراً جميلاً جدّاً ، أتمنى لو أشعرُ بشيءٍ منهُ الانَ.
استطيعُ ان اقولَ انني كتبتُ الشعرَ العربيَّ عندما كنتُ في الخامسة عشرَ من عمري وكانَ شعراً بالفعلِ
وبدأتُ أكتبُ وأنشرُ في صحفٍ ومجلاتٍ عربيةٍ منها مرآة الأمةِ الكويتية و الفيصل السعودية وكل العرب الفرنسية وكذلكَ بدأتُ اشاركُ في مهرجاناتٍ كثيرةٍ.
* زمان ومكان الكتابة يختلف من شاعر لآخر، كيف هي طقوس الكتابة عندك زمنيًّا ومكانيًّا؟
ربما من المَحاسنِ أنني عشتُ الزمانَ بكلِّ تفاصيلِهِ ومراحلِهِ دونَ أن اخسرَ لحظةً واحدةً وكذلكَ مرَرَتُ بكلٍّ نياسمِ الأمكنةِ فلا اعتقدُ اليومَ أنّ مرحلةً مكانيّةً يمكنها ان تؤثرَ في الشاعرِ قد فاتتني، كلُّ الأشياءِ والظروفِ التي تؤثرُ تأثيراً بالغاً في صقلٍ المواهبِ قد تهيأتْ لي والحمدُ للهِ رغمَ أنّها كانت بالغةَ الألمِ ، الزمانُ يؤثرُ كثيراً في حياةِ الجميعِ وخاصةً في حياةِالشاعرِ ، فالشاعرُ وهو صبي يعشقُ و يكونُ للعشقِ الصدارةُ في حياتِهِ في تلكَ المرحلةِ ، ويعبِّرُ بكلِّ طلاقةٍ وبلا ترددٍ عما يجولُ في خاطرِهِ فلا شكَّ في تلكَ المرحلةِ كانتْ الطقوسُ ربيعيةً فيها إحساسٌ بعدمِ الانتهاءِ وعدمِ الذهابِ وفيها شعورٌ بالخلودِ وكأننا في جنةٍ حتى أنني قلتُ عنها:
ألا قيها فنستلقي على الأرضِ
يقبّلُ بعضُنا بعضاً
على عشَبٍ نديٍّ باردٍ غضِّ
وكنّا نحسبُ الأيامَ لا تمضي
ولكنَ مرّتِ الأيامْ
وبعدَ سنينَ قليلةٍ ننتقلُ الى مرحلةِ الشبابِ حيثُ التفكيرُ يختلفُ تماماً عما هو عليهِ في السابقِ فأنا أعتبرُ الشبابَ هو فصلُ الصيف بالنسبةِ للحياةِ وهنا كانتْ الثمارُ ناضجةً وكثيرةً جداً ومتنوعةً ولكنها كثيرةُ التغيراتِ والتقلباتِ وفيها عواصفٌ في أغلبِ الأحيانِ تكونُ قويةً جداً وترابيةً تحجبُ الرؤيا وتقلعُ الكثيرَ من اشجاري التي كلفتني زمناً طويلاً وجهداً كبيراً ، ولذلكَ فكتاباتي في تلك المرحلةِ كانتْ متنوعةً و غاضبةً وفيها غموضٌ وفيها الكثيرُ من الرمزيةِ كما في البيتينِ التاليينِ:
مُثْقَلٌ بالهمومِ والتفْكيرِ
لستُ أدري بظِلِّكمْ ما مصيري
لا رسولي الذي بعثتُ أتاني
قبلَ عامٍ ولا أتاني بعيري
والآنَ أنا في فصلِ الخريفِ من حياتي حيثُ ذرُفتُ على الأربعينَ ، وكلُّ شيءٍ قد تغيرَ ، الأصدقاءُ ، الإخوانُ ، وحتى الأولادُ كبروا وصاروا يطيرونَ بعيداً ، وملامحي ايضاً تغيرتْ ، ولا يحقّ لي ان اعاتبَ الذينَ تغيروا وملامحي قد تغيرتْ قبلهم ، هي تلكَ الحياةُ التي ما كنا نعرفُها مثلما نعرفُها الانَ :
قلبي كطِفلٍ تاهَ في بلدٍ غريبْ
بَدأ المغيبْ
بدأتْ كواكِبُنا تغيبْ
أنا لن ألومَكْ
لو أنتَ يا قلبي لأجْلِ دقيقةٍ ستبيعُ يوْمَكْ
وكفاكَ حُزْناً أنْ ترى أحبابَ قلبِكَ هُمْ خصومَكْ
بالنسبةِ للمكانِ فأنا انتقلتُ في حياتي الى ثلاثةِ أماكنَ أولاً انتقلتُ من القريةِ الى المدينةِ وهي وان كانت في نفسِ البلدِ الا انها كانتْ ذاتَ أثرٍ كبيرٍ على الأسلوبِ والشخصيةِ الأدبيةِ حيثُ حدثَ تغييرٌ في بناءِ حياتي والعلاقاتُ كلها تقريباً تبدّلتْ تماماً وكذلكَ المناظرُ والمعالمُ والصورُ مما أدى الى تغييرٍ واضحٍ في اسلوبي ففي القريةِ كنتُ أقولُ
قد أخذْنا ما لنا منذُ الصِّغٓرْ
وتصبَّرْنا على حكمِ القٓدَرْ
أما في المدينةِ وبعدَ أيامٍ من انتقالي اليها شعرتُ بتغييرٍ واضحٍ في حياتي وفي شعري كما في البيتينِ :
حلّقي في المدى وهذا كثيرُ
أنْ تطيري ولا تطيرُ الطيورُ
أنْ تصبي على النجومِ أريجاً
فيُغني على ندالكِ العبيرُ
ثمّ بعد تلكَ المرحلةِ انتقلتُ الى المنفى الذي لا استطيعُ ان اصفَ المَهُ انما اقولُ انّني اشعرُ انّني انتقلتُ من الحياةِ الدنيا الى الاخرةِ وان كلَّ شيءٍ قد توقفَ تماماً وقد توقفتُ عن كتابةِ الشعرِ بشكلٍ كاملٍ لسنينَ طويلةٍ حزناً ويأساً لكنني عدتُ شيئاً فشيئا وبدأتُ أعيشُ ولكنّ شعري تغيرَ تماماً:
ياليلُ أنتَ يا صديقي كيفَ حالُهم؟
هل نامَ مثلَما ينامُ فوقَ أعيُني خيالُهمَ؟
اختَر لنا قصيده ؟
سأختارُ لكم قصيدتي( حتى لو نموت معا) ارجو ان تنالَ اعجابَكم:
وقفتُ والفاقِدُ الأحبابَ لا يقِفُ
مُودِّعــاً ونِياطُ القلبِ ترتجِفُ
لمّا رفعْنا الأيادي للوداع ِ أرى
حتى الذينَ تمَنـّوْا هجرَنا أسِفوا
رغمَ اختِلافِ نواحينا برُمّتِها
لم نختلِفْ وعروقُ القلـْبِ تختلِفُ
أرى العراقَ يُصلـّي كي نعودَ لها
إنّ العراقَ بصُنـْع ِ الحُبِّ يحترِفُ
ونحنُ فيها وإنْ خِفـْنا نهايَتـَنا
كدْنا لبعض ٍ بهذا الحُبِّ نعترِفُ
وقفتُ لا شئَ أُلقيهِ على كتِفي
وهلْ سيحمِلُ شيئاً بعدَكِ الكتِفُ؟
وقفتُ والروحُ تجري خلفكِ انطلقـَتْ
مالي وقفتُ أنا .. والروحُ لا تقفُ
لا تعرفينَ وقد لا تسمعينَ صدىً
وهــؤلاءِ جميـعــاً كلـّـُهمْ عرَفــوا
قالوا تطيّرتَ فاخرُجْ من منازِلِنا
واذهب اليها ففيها للهوى طرَفُ
وحقِّ ما أزعجَ الأحبابَ يا بَصَري
قد التـقـيْنا وإنّا في الذرى نـُطـفُ
تفرّقَ الجمعُ من حولي وهم سَندِي
لكِ انصرَفتُ وهم عني قد انصرَفوا
رأيتُ بغدادَ ترنو لي بواحِدَةٍ
ومِن جوانبِ أُخرى الدمعُ ينذرِفُ
أنا بكلِّ أسىً أنعاكِ موحِشـَتي
إنني لـَضَعيفُ القلبِ أعترِفُ
ولستُ أخجلُ من ضعفي ولي مثـَلٌ
البدرُ عندَ انحِرافِ الشمس ِ ينخسِفُ
قالتْ لقد عُدْتَ كالصِبيان ِ تعشقـُها
قد اقترفتَ الذي الصبيانُ تقترِفُ
لقد رأيتـُكَ في التلفازِ تحضِنـُها
إلاّ قليلاً .. فما أحكي وما أصِفُ
وأنتَ هذا أمامي إنما جسَدٌ
تمامُ روحِكَ في بغدادَ تلتحِفُ
وما بوجهِكَ مُصْفـَرّ ٌ ومُنكسِرٌ
ذاوٍ .. وها أنتَ مُذ فارقتـَها دَنِفُ
إنْ كانَ هذا كتاباً كيفَ أجحَدُهُ
أو صِدفة ً فاعذريني إنها الصِدَفُ
كنا صِغاراً ولم نجنـَحْ لمَعصِيَةٍ
فكيفَ بعدَ بلوغ ِ العقل ِ ننحرِفُ
قالتْ فخـُذ ْها وفارِقـْني لمَلعبـِها
وسَرّني أنْ يكونَ الآنَ لي هدَفُ
يامَنْ بحُبِّـكِ قدْ ساؤوا الى شرَفي
وإنّ حُبّـَكِ حتى الموتِ لي شرَفُ
إني إذا رحتُ معصوماً لعاصِمَةٍ
أصبحتُ سَهواً الى بغدادَ أنعَطِفُ
حتى الذينَ رأوْا مني مجامَلـة ً
يستنكرونَ وعندي الشوقُ والشـَغفُ
ياليتني ذقتُ طعمَ النوم ِ يا وطني
مِن شفاهِ التي أحبَبْتُ أرْتشِفُ
حقيقتان ِ إذنْ .. أمّـا أكونُ لها
و أنْ يراني صريعاً بعدكِ النجفُ
لنْ ينحَني الرأسُ حتى لو نموتَ معاً
مِتـْنـا جِياعاً وما راقتْ لنا الجِيَفُ
هذي أَنا أيّها الجاثي على قفـَصي
في أيِّ شئ ٍ معي فيها ستخـْتـَلِفُ
إنْ أقبلـَتْ عادتْ الأيامُ ضاحِكة ً
أو أدبَرتْ راحتْ الأقمارُ تنكسِفُ
إذا تكشـّـفتْ الأسنانُ من فمِها
كادَتْ لها أعقدُ الأسرارِ تنكشِفُ
يا أجملَ النخل ِ ضـُمّي بُلبُلاً غرِداً
فلستُ مِمّنْ عليهِ يصعُبُ السّعَفُ
لقدْ تذوّقتُ من أعذاقِها رُطباً
كلّ ُ النساءِ بعيني بعدَها حشـَفُ
لا تترُكيني بلا مرسى ولا جُرُفٍ
قضيتُ عمريَ لا مرسى ولا جُرُفُ
* صدرت لك 5 مجموعات شعرية ماهي الاقرب اليك؟
اولُ المجاميعِ الشعريةِ التي صدرَتْ لي في العراقِ عام ١٩٨٨ كانت (مدائنُ الغروبِ) وبعدها عام ١٩٩٦ بدمشق صدر لي (طائر الجنوب) واخرها كانَ(موت تحت المطر) صدر في القاهرة عام ٢٠١٠
لكنّ الأقربَ الى قلبي هي (مدائن الغروب) لأسبابٍ كثيرةٍ منها:
أنها صدرتْ في زمَنٍ مبكرٍ جدّا من حياتي و قد قدّمَتني الى القرّاءِ بشكلٍ جيدٍ رغمَ الظروفِ الصعبةِ التي كنتُ أمرُّ بها خاصةً على النطاقِ السياسي وكذلكَ كانتْ المجموعةَ التي صدرتْ في وطني وخاصةً في مدينتي التي احبها(بغداد) وكذلكَ كانتِ القصائدُ التي في المجموعةِ كلُّها وجدانيةً وفيها ألمٌ كبيرٌ بسببِ الحربِ التي كانتْ تدورُ بين العراقِ وإيرانَ وبسببِ المتاعبِ التي تسببُها تلكَ الحربُ التي أخذتْ منا الكثيرَ.
* حدثنا عن آخر مؤلفاتك .. وكيف كان تجاوب جمهورك معها ؟
الحقيقةُ أنا الان مشغولٌ بمجموعةٍ شعريةٍ تكادُ تكتملُ وهي الخامسةُ من بينِ المخطوطاتِ التي لم تنشرْ بعدُ للأسفِ , وعنوانُها (أنفاسٌ ودموعٌ) فيها المٌ كبيرٌ مما يدورُ في وطني العربي العزيزِ من حروبٍ وتهجيرٍ ولكنني أطرحُها بأسلوبٍ لا تنفرُ منهُ القلوبُ أبداً وأتمنى أن يُنشرَ هذا العملُ و ينالُ منهُ القاريءُ العربيُّ فائدةً وذلكَ جلُّ ما أبغي.
* القصيدة رسالة مفتوحة للعالم ، عندما تكتب هل تُفكر في القارئ؟
شكراً على هذا السؤالِ والحقيقةُ لو لم تسألْني هذا السؤالَ لكنتُ نوّهتُ لكَ لتسألني لأهميةِ ذلكَ , أنا عندَما أكتبُ أضعُ أمامي ونصبَ عيني كلَّ المستوياتِ التي تقرأُ لي وأعتني بالمفرداتِ جداًّ لتكونَ سهلةً ولا تصعُبُ معانيها ولا تلفظُها لكي لا يختلَّ الوزنُ الشعري عندَ أيِّ قاريءٍ بسببِ عدمِ قراءتِهِ الصحيحةِ للكلماتِ لغرابتِها ولهذا فأنا أهتمُّ بتشكيلِ الكلماتِ بشكلٍ تامٍّ بحيثُ يتيسرُ الأمرُ على الجميعِ وهناكَ أشياءُ أخرى أعتني بها من أجلِ القاريءِ وأنا من الذينَ يؤمنونَ بنظريةِ ((الفنُّ للناسِ)) وليس الفنُّ للفنِّ وذلكَ جاءَ عن طريقِ الفطرةِ وليسَ عن طريقِ التأثرِ بطريقٍ ما, وبسببِ ذلكَ ربما فأنا أجدُ قصائدي تترددُ على ألسنةِ الكثيرينَ رغمَ أنني لم أظهر على شاشاتِ التلفازِ بسببِ بعدي عن الوطنِ العربي ومشاغلِ الغربةِ القاتلةِ.
* أيّاً من قصائدك تعتز بها وتمثل مكانة خاصة لديك ؟
بصراحةٍ أنا أعتزُّ بكلِّ كلماتي وأضطلعُ عليها دائِماً ولكنْ هناكَ قصيدةٌ كتبتُها أشرحُ فيها مدى التغييرِ الذي طرأ على جسمي وأعضائي وكانتْ حزينةً للغايةِ وقصةُ تلكَ القصيدةِ أنني قد حللتُ ضيفاً على صديقٍ وقدْ قدّمَتْ أخْتُهُ لي الشايَ فمدَدْتُ يدي لتناولِهِ ورأيتُ أصابعي ترتجفُ فحزنتُ جدّاً وقلتُ وأنا عندهمْ :
وترجُفُ مني في الثباتِ أصابعي
فليسَ بها للدانياتِ وصولُ
ثمَّ أكملتُها لاحقاً وكلما قرأتُها لم أشعرْ بمللٍ بل أشعرُ بارتياحٍ ، وفيها أخاطبُ أمي التي فارقتُها وعمري ٢٤
سنةً والتي تُكنى بأمِّ سالمٍ وكذلكَ أخاطبُ نفسي التي سلكَتْ بي مسالكَ أبعدتني عن الأهلِ والوطنِ.
*نتوقف قليلا مع الشعر ماذا ستختار لنا ؟
سأختارُ لكم القصيدةَ التي تحدثتُ عنها أعلاه وأرجو أنْ تنالَ إعجابَكم.
ركِبْتَ طريقاً والطريقُ طويل
فتابِعْ مساراً ليسَ منهُ بديلُ
أرَدْتَ المَسَارَ الصَعْبَ فانْعَمْ بمائِهِ
و مِلْ عَكْسَ ما كانَ النسيمُ يميلُ
وتابِعْ خُطىً ما سارَ أهلُكَ فوقَها
فإنّ الذي في العُمْرِ ظلّ َ- قليلُ
شرِبْتَ شرابَ العابثينَ براحِهِمْ
وأوشكْتَ مَمْـنُوعَ الثِمارِ تطولُ
فتابِعْ طريقاً لو تموتُ بنصْـفِهِ
سَيَمْشِيهِ أجيالٌ ويعزِفُ جيل ُ
بَكَيْـتُـكَ عُمْراً لن تعودَ ولا أنا
لعَودَةِ عُمْـرٍ مِنْ سواكَ أميل ُ
ثلاثينَ عاماً قد أضَعْتَ بلحظةٍ
وستّينَ مِيلاً و المَسافة ُ ميلُ
بَكَيْـتـُكَ عُمْراً قد مَضَى بدُموعِهِ
ولستُ طَمُوحاً في الحياةِ تطولُ
رَضِـيتُ من السيْلِ الذي كانَ جارِفاً
بأني على أرضِ العِراق ِ أسِيـلُ
وقلتُ لنفسي لنْ يَزولَ مُعاكِسٌ
لأ يّامِهِ ….. لكنني سأزولُ
ظننتُ حياتي لا خِتامَ لِمِثـْلِها
وها هي دقّتْ للرحيل ِ طبولُ
وها هيَ شمسٌ ما حَسِبْتُ أُفولَها
يَجِدّ ُ بها قبلَ الأُفولِ أُفـولُ!
وكنتَ طَمُوحاً أينَ منكَ مرابِعٌ
وسربُ قـَطاً و حمائمٌ و خيولُ
أضيّعْتـَها مثلَ السنينَ أمْ الذي
سليلُ عِظَـَاتٍ للضياعِ سَلِيلُ؟
وأينَ اللواتي هنّ في كلِّ ساعةٍ
لدَيْكَ نذيرٌ أو عَليْكَ دخيلُ؟
تجاهَـلـْتَ أيّـاماً و أنتَ مُواكِبٌ
حوادِثَ تسْـرِي والمَسيرُ ذمِيلُ
تحَمّـلْتَ حَمْلاً لا خفيفَ وراءَهُ
لأنكَ مِنْ قبلِ الرِّحَال ِ ثقيلُ
لأنكَ حتى لو ندِمْتَ ستـنْـتـَهي
فليْسَ إلى العهدِ القديم ِ سبيلُ
أ تُـنْـكِرُ ضيّعْتَ الكثيرَ ؟ أ ناكِـرٌ؟
فهاتِ دليلاً لو لديكَ دليلُ
مَشَيْتَ طريقاً لا سبيلَ لِعَوْدَةٍ
و لا مُنتهى للقاصدينَ يَؤولُ
مَشَيْتَ طريقاً سوفَ تمْشِيهِ واحِداً
وأدنى الذي قالوهُ فيكَ عَمِيـلُ
عَمِيلٌ لِمَنْ ؟ للهِ ؟ تلكَ حقيقة ٌ
لكلِّ فروع ٍ في الحياةِ أُصولُ
أجَلّ َ , سِوى يَغْشى هواكَ جليلُ
لهُ الحمدُ ما في المُعْصِراتِ خليلة ٌ
ولكنهُ في المُعْـصِراتِ خليلُ
وألـْـفَـيْتُ نفسي واحداً بمدينةٍ
بقايا طُلُولٍ , هل تَرُوقُ طُلُولُ؟
مُضَيِّعُ أحبابٍ وفاقِدُ موطِنٍ
وفي كلِّ يومٍ وِجْهـَة ٌ و رحيــلُ
تغيّرَ مِنّي الوجهُ حتى مَلامِحي
تغيّرَ منها مُرسَـلٌ و جميلُ
وحتى عيوني الضاحِكاتُ تغيّرتْ
وصارتْ بأو قاتِ السّـرورِ تسيلُ
وإني و لا أُخْـفِيكِ يا أُمَّ سـالِمٍ
وأكثرُ ما يُؤذي جراحي تجاهُلٌ
وأكثرُ ما يُدْمِي الجِراحَ جَهـولُ
ولكنني رغمَ المُذِلاتِ أزْدري
سِياطَ الأذى , ما مِنْ بَـنِـيكِ ذليلُ
تغيّرتُ يا أُمِّي , تغيّرَ مَطْمَـحي
وها هو فجْرُ الطامِحينَ أصِيـل
وها هيَ آفاقي تنُمّ ُ برَجْعَـةٍ
وها هيَ شمْسٌ عن سَمايَ تزولُ
وقَلْبٌ بما أشْـقيْـتـُهُ باتَ واضِـحاً
بدَقـّاتِهِ شاخَتْ لديْهِ فصولُ
وصِحّة ُ حالٍ ما صَعِدْتُ لِقِمّـةٍ
وأشْرَقـْتُ إلا في قِوايَ نُزُولُ
وترجُفُ مني في الثـّبَاتِ أصابِعي
فليسَ بها للدَانِياتِ وصولُ
وأرضي التي كانتْ حدائقَ بابلٍ
خرابٌ ومِنْ كلّ ِ الجِهاتِ مُحولُ
نعَمْ لم تعُدْ عندي لضيفٍ حكايَة ٌ
وما كانَ لي في الناطِقينَ مثيلُ
نعمْ لم تعُدْ في الروحِ ومْضَـة ُ طارِقٍ
ولا خَضِـلاً مِلْءَ السُّـفوحِ نخِـيلُ
تغيّرتُ فِعْلاً , والطِباعُ تبدّ لـَتْ
وصارَ الذي يُعْـطي اللقاءَ يحولُ
وما عادَ في نفـْسي لأيِّ تـَزاحُمٍ
من الناسِ مثلَ الآخرينَ شَمُولُ
فشُكْراً لدُنيايَ التي أيْـنما أكُنْ
تكُنْ حائلاً تـُقصي بنا وتـُقِــيلُ
وشُكْراً ليومٍ مِنْ صَلافـَةِ صاحِبٍ
أجَلُّ و يومٌ طيِّـبٌ و خجولُ
وشُكراً لكلـْبٍ مِنْ نَجاسةِ حاسِدٍ
أقلُّ و كلبٌ مُخْلِصٌ و نبيلُ
وشكراً لِوَجْهٍ مِنْ خشونةِ أوْجُهٍ
أرقُّ و وجْهٌ ناعِمٌ و أسيلُ
وشُكْراً لِمَنْـفاي المُطيع ِ و غربتي
و شُكْرِي لأيامِ العِراقِ جزيلُ
* ماذا يعني لك النقد .. وهل تتقبله برحابة صدر؟
النقدُ هو المرآةُ حتى ولو كانت تلكَ المرآةُ غيرَ واضحةٍ فهي تبينُ لكَ ملامحَ وجهِكَ أو على الأقلِّ تطالبُكَ بعمليةِ مسحٍ بسيطةٍ لكي تُريكَ ملامحَ واضحةً ، فالنقد العربي في الكثيرِ من الجهاتِ في هذه الأيامِ غالباً ما يكونُ كالمرآةِ المدفونةِ تحتَ الغبارِ ولكي ترى نفسكَ فيها تطلبُ منكَ أن تدفعَ لها شيئاً لتصبحَ نظيفةً لكشفِ ملامحِكَ وإذا لم تدفعْ لها لن تُريَكَ شيئاً ، ولذلكَ أنا لن أبحثَ عن مرايا وسخةٍ ولن أدفعَ شيئاً لتنظيفِها ، أنا بحاجةٍ للمرايا النقيةِ التي تزينُ ملامحي والتي تمسحُ الغبارَ عني لا العكسَ ، وحتى لو كانتْ تلكَ العمليةُ مؤلمةً وقاسيةً ففي النهايةِ أنا سوفَ أكونُ المستفيدَ الأولَ ولذلكَ فأنا اتقبلُ ذلكَ النوعَ من النقدِ بكلِّ سرورٍ ، لكننا لن نلتقي بهذهِ السهولةِ لأنّ ذلكَ المستوى الراقي من النقدِ لم يعدْ متوفراً ولا باحثاً عن الأدبِ الحقيقي ، إنما الأدباءُ يبحثُونَ عن النقادِ ويهدونهم مبالغَ ماديةً ليمجدّوهم ويرفعوا من شأنِهم و أنا غنيٌّ عن ذلكَ تمامَ الغنى.
*كيف ترى الاعلام العربي ؟
الإعلامُ العربي متفاوتٌ من بلدٍ الى آخرٍ ، رديءٌ جداً في العراقِ وأغلبُ الذينَ يعملونَ في الإعلامِ يفتقرونَ إلى الإعلامِ ، الإعلامُ المصري كانَ أفضلَ والآنَ صارَ أسوأَ ، الإعلامُ الخليجي جيدٌ جداً من حيثُ المهنيةِ والأداءِ وبغضِّ النظرِ ما إذا كانَ حياديّاً أو لا فإنهُ يؤدي دوراً مميزاً وبتقنياتٍ عاليةِ الجودةِ ومحترفينَ جيدينَ وأنا يعجبني الأداءُ الإعلامي الخليجي بنكهتِهِ وطابِعِهِ المميزِ.
* ما هي أهم المحطات أو المنعطفات التي تعتقد أنها ساهمت في تشكيل وبلورة هويتك الثقافية ؟
بغدادُ أولاً وبغدادُ أخيراً ،و عمّانُ ثانياً ولندنُ ثالثاً ، ولكلِّ محطةٍ من تلكَ المحطاتِ لونٌ و وترٌ يرنُّ بنغمةٍ مختلفةٍ عن الأخرى الا انها متناغمةٌ معَ الأخرياتِ وتمييزُها صعبٌ إلا أنها في المحصلةِ تشكلُ معزوفةً يستمتعُ بها الآخرونَ وأستريحُ بها أنا.
* تنتمي لحضارة عريقة .. للعراق بلد العلم والأدب والفكر .. بمن تأثرت أدبيا؟
لكلِّ أرضٍ طعمٌ يتجسدُ في مذاقِ ثمارِ نباتاتِها ولونِ وعطرِ أزهارِها ، فلا تحتاجُ الشجرةُ أن تتأثّرَ بشجرةٍ سبقتها لتعطي ثمراً مشابهاً أو الذَّ من سابقاتِها ، إنما هي أدوارٌ تؤديها المواهبُ التي حَباها اللهُ تعالى ولكنني تأثرتُ جداًّ بالقرآنِ الكريمِ حتى أنني لم أفارقْهُ يوماً واحداً منذُ صبايَ حتى آخرِ لحظةٍ من عمري وكلما قرأتُه لم أشعرْ أنني قرأتُهُ من قبلُ وكأنما هو كتابٌ يتجددُ كلَّ حينٍ ، وقرأتُ كثيراً للمتنبي وبدر شاكر السياب وأحمد مطر والجواهري ومصطفى جمال الدين ولا أحب شعرَ النساءِ اطلاقاً.
* تقييمك للشعر العربي الان؟
الشعرُ لا يُقيَّمُ في زمنِهِ للأسفِ وانما بعد سنينَ وربما بعد ذهابِ الشاعرِ وعند ذلكَ يقيَّمُ الشعراءُ أما اليومَ فنستطيعُ أن نقيمَ شعراءَ الأمسِ وهذهِ مأساةُ كلِّ شاعرٍ حقيقي ، وقد تحدثتُ عن ذلكَ في إجابتي على سؤالِكَ بشأنِ النقدِ. لكنني أقولُ لكلِّ زمنٍ شاعرُهُ الذي يُضيءُ يوماً ما وليسَ الأمرُ متوقفاً ولا معنياً بحالِ الشاعرِ وهو حيٌّ فربما كانَ مشهوراً فغُمرَ بعدَ موتِهِ وربما كانَ مغموراً فاشتهرَ بعدَ مماتِه وهنا تكمنُ الموهبةُ الحقيقيةُ وقدرتُها على التأثيرِ في المدارِ الذي دارَ شاعرُها يوماً عليه.
* وماذا عن الشعر العراقي ؟
الشعرُ في العراقِ وفي أي مكانٍ يتأثرُ بالظروفِ التي يمرُّ بها ذلكَ المكانُ والعراقُ اليومَ يمرُّ بظروفٍ غامضةٍ وحالكةٍ وقد تأثرَ الشعرُ بذلكَ ، وربما يبقى ذلكَ التأثيرُ بعد انتهاءِ تلكَ الظروفِ لفترةٍ طويلةٍ بسببِ المستوى التعليمي الذي تأثرَ هو الآخرُ وبسببِ انشغالِ الناسِ بالحياةِ ومتطلباتِها ، وهناكَ سببٌ آخرٌ وهو كثرةُ مدّعي الشعرِ ما بينَ ناظمٍ وناثرٍ مما أدى الى فقدانِ الناسِ الثقةَ بشعرِ اليومِ للأسفِ وايضاً أدى الى انغمارِ الشعراءِ الحقيقيينَ في ذلكَ الزحامِ ، وبكلِّ ثقةٍ أقولُ لن يجفَّ بحرُ العراقِ الشعري الزاخرُ.
* ما مدى حضور الهمّ الوطني في كتاباتك؟
كما يشعرُ الآخرونَ بألمِ الإغترابِ في داخلِ الوطنِ انا ايضاً اشعرُ بذلكَ وبالتالي فأنا اكتبُ ما أشعرُ بهُ وقلتُ وأنا في العشرينَ من عمري:
سوفَ أمضي وأرحلُ
يا عراقي المُدَلّلُ
ظاهرٌ منكَ إنني
ليسَ لي فيكَ منزلُ
وحتى الأمسِ القريبِ وأنا أقولُ بكلِّ صدقٍ ودونَ أن أرتجي شكراً من أحدٍ حيثُ ولى زمنُ الإهتمامِ بالشاعرِ العربي فلا أحدَ يسألُ عنه:
هيَ للعراقِ تكونُ كلُّ مراحِلي ..
وعلى العراقِ مدامعي ومشاكلي
للهِ ما فَشِلَ العراقُ وإنّما ..
خَسِرَ السِّباقَ بقائدٍ متَخاذِلِ
خذني لصدرِكَ كي أنامَ مُسَهَّداً
فأنا لعُشِّكَ كالحَمامِ الزاجِلِ
لا سدْرةً راقَتْ لخفْقِ جوانِحي
وفقدتُ في دربي إليْكَ مفاصِلي
* هل أثر الوضع الأمني بالعراق على وضعك الشعري؟
اذا كانتِ المشاكلُ العائليةُ تؤثرُ على وضعِ الشاعرِ والمشاكلُ مع الجارِ والأقاربِ أو حتى المشكلةُ التي تحصل للشاعرِ في الشارعِ تؤثرُ عليهِ فما بالُكَ إذا كانتْ المشاكلُ تعصفُ بالوطنِ الذي لا غنى للشاعرِ عنهُ و لا حياةَ لهُ بدونِهِ , قطعاً يؤثرُ على أدائي و سلوكي وأسلوبي وحتى يؤدي الى هذيانٍ يصيبُني أحياناً , انا أتمنى أن يعمَّ السلامُ في كلِّ البلدانِ ولا اتمنى الذي رأيناه ونراهُ لأيِّ بلدٍ كانَ.
* هاجرت الى الاردن وحصلت على اللجوء السياسي كيف تصف هذا الموقف شعرا؟
سلِّمْ لي ياطيرُ على وطني
وعلى حقلي
وعلى نهري اليابسِ من سنتينْ
سلِّمْ لي فالدربُ بعيدْ
وجوازي أصبحَ ذا خطّيْنْ
*نطلب قصيده”العيد بعيدا عن العراق”؟
العيدُ جاءْ
ولم يجدْ أحدا ً معي هذا المساءْ
وحدي كما أنا دائما ً
أشتاقُ في زمن ِ البكاءْ
للسوق ِ … للوطن ِ المعذ ّبِ … للرجال ِ و للنساءْ
أشتاقُ للماء ِ المُهرّبِ .. للطيور وللغناءْ
يا (كرمتي) يا (طار) يا نخلَ (المجرّةِ ) مَنْ يراكْ ؟
مَنْ ذا يُغازلُ سعفة ً ؟
مَنْ ذا سيعرفُ ما تقولْ ؟
جدرانُ مدرَسَتي هوَتْ فوقَ الفصول ْ
دقـّتْ طبولُ الحربِ .. مَنْ لا يشتهي صوتَ الطبولْ ؟
بكلِّ صراحةٍ في موضوعِ العودةِ أستخدمُ الحدسَ فقط وحدسي يقولُ سوف أعودُ قريباً وأتمنى أن يصدقَ كالعادةِ، مع أنّ الواقعَ الذي أراهُ لا يتفقُ مع حدسي فالوضعُ الأمني يزدادُ سوءاً يوماً بعدَ يومٍ ولكنني سوفَ أعودُ.
* من خلال عملك الصحفي في مجلة “آفاق عربية” في بغداد تم فصلك بسبب موقفك ضد النظام العراقي في حربه على الكويت .. مادى أثر هذا الفصل على مسيرتك الصحفية والشعرية ؟
لم أتأثرْ قط بذلكَ لسببٍ بسيطٍ هو أنني كنتُ لا أستطيعُ أن أكتبَ وأنشرَ كلمةً واحدةً بحريةٍ فعندما فصلوني كنتُ قد عبرتُ الحدودَ ووصلتُ الى الأردنِ وانطلقتُ نحوَ الحرية.
* إتجهت الناس في السنوات الأخيرة إلى السوشيال ميديا .. هل تجدها خدمتك في بناء قاعدة جماهيرية لك فيها ؟
خدمتني كثيراً فسرعةُ ايصالِ الموضوعِ وبدونِ الحاجةِ الى وسيطٍ او الى موافقةِ أحدٍ بنشرِ الموضوعِ ، وأيضاً أصبحَ لديّ تصورٌ واضحٌ عن القراءِ وعما يريدون وقد أثرَ ذلكَ كثيراً في مسيرتي الأدبيةِ وهناكَ أيضاً بعضُ المنغصاتِ التي لا تلغي محاسنَ ذلك.
*نطلب قصيده “اعاصير ومنافي “
بكلَّ سرورٍ أضعُ قصيدتي (أعاصير ومنافي) بين أيديكم أرجو أن تنالَ إعجابكم:
عدَتـْـكَ الليالي أنْ صبَرْتَ لياليا
وجنـّبْتَ نهرانَ الدموع ِ النواعيا
تظلّ ُ عزيزا ً رغمَ أنكَ مُعْوِزٌ
وتبقى قريبا ً رغمَ كونِكَ نائيا
ولنْ تـُرغِمَ الأحداثُ مثلـَكَ عاقِلا ً
على قول ِ ما لا يرتقي بكَ راقِيا
تعوّدْتَ بالصّمتِ الكبيرِ مُدَوِّيا ً
وقرّعْتَ بالصمتِ الكبيرِ المُرائِيا
بكَ الوجعُ المقصورُ لونُـكَ شاحِبٌ
وأنوارُكَ البيضاءُ تركبُ داجـِيا
لماذا تـُقاسي ؟ والمُحِبّـُونَ عرّجوا
وتسمعُ منهم رقصة ً و أغانيا
لماذا تـُقاسي؟ والذين لأجلِهـِم
تقاسي قـَسَوْا فاهجُرْ وكن أنتَ قاسيا
و دَعْهم لأيام ٍ فـَتـَكـْنَ بغيْرِهـِمْ
فهل تتمنى أنْ ينالوا المراميا ؟
وهل تتمنى انْ يعودَ لكَ الذي
بهِ كنتَ في أغنى المواقفِ .. عاريا؟
وهل تتمنى انْ تعودَ لمنزِل ٍ
إذا أمْطـَرَتْ ولـّى مع الماء ِ جارِيا؟
بنوكَ وأمّ ٌ في العراق ِ و إخوةٌ
وأنتَ تـُقـَفـّي بالمنافي المنافيا
وصوتـُـكَ يجري والرياحُ بعيدة ٌ
فكنْ عندَ قصفِ الريح ِ صوتا ًمُناوِيا
مللتـُـكَ … لا ترمي السّهامَ ولم تعُدْ
تـُجـَنـِّبُ مَنْ يرمي الرّماة ُ العَوالِيا
مللتـُـكَ … لا يُؤذيكَ أنكَ مُهمَـلٌ
وغيرُكَ يصطادُ الغِنى والمغانيا
مللتـُـكَ … قد ثارَ الترابُ ومَنْ بهِ
وأنت تـُلاقي الطبلَ أخرَسَ غافِيا
مللتـُـكَ … لا أنتَ الذي قد عَرَفـْتـُهُ
ولا أنا أنتَ الراكِبُ البحرَ عالِيا
مللتـُـكَ … مهزوما ً يُضـَيِّعُ وقتـَهُ
ولم يقتنِصْ ممّـا تولـّى ثوانِي
لقد أدبَرَ الوقتُ الكبيرُ وغايتي
ركِبْتُ لها ظهري أنا والقوافِيا
وهبتُ لها عمرا ً طويلا ً وها أنا
بها عاجـِـزٌ عنها ولم أدرِ ما هيا
مللتـُـكَ سكرانا ً .. مللتـُـكَ صاحِيا
مللتـُـكَ يقظانا ً .. مللتـُـكَ غافِيا
مللتـُـكَ متبوعا ً .. مللتـُـكَ شاعرا ً
مللتـُـكَ ساويتَ الذي لن يُساويا
مللتـُـكَ والدنيا تريدُكَ ضاحِكا ً
و نحنُ وهبناكَ المحبّة َ باكِيا
مللتـُـكَ أمّـا مُوجَعا ً أو مُواسِيا
وأمّـا تـُداوى أو تكونُ المُداويا
فمٌ غاضِبٌ منهم وقلبٌ مُتـَيّـمٌ
جُهـِـلتَ حبيبا ً واشتهرتَ مُعادِيا
يُعاديكَ أصحابٌ لأنكَ صاحِبٌ
ويغضبُ جُهــّالٌ لكونِكَ دارِيا
ويبغضـُـكَ القومُ الذينَ تـُحِبّـُهمْ
لأنكَ منهم .. لو تنكـّرْتُ حالـِيا
وذنبُـكَ تعلو والرّقابُ قصيرة ٌ
وهم عاجزونَ الآنَ أين َ تركتـَهم
تركتَ لهم ظهرا ً يُدافِعُ عارِيا
تجودُ بنفس ٍ أو تجودُ بدرهم ٍ
يروْنكَ شحّاذ َ المَحبّةِ واطِيا
أكنتَ عراقِيّا ً ؟ تكونُ الأضاحِيا
وكنتَ جنوبيّا ً تكونُ الأغانِيا
أ نالكَ شئ ٌ من هواكَ ؟ أ نِلـْـتـَـهُ؟
فمالكَ ضيّـعتَ السنينَ الغوالِيا
* كيف تتصور آفاق المشهد الشعري العربي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا، وكثرة التحديات؟
يبقى لديوانِ الشعرِ الكتابِ الصدى الأقوى ويبقى الإنسانُ يعشقُ ديوانَ الشعرِ ، ويبقى الشاعرُ سيدَ المجلسِ بكلماتِهِ الصادقةِ (فأما الزّبَدُ فيذهبُ جُفاءاً وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرضِ).
* ماذا تقدّم المهرجانات والمؤتمرات والعضويّات الأدبية للمبدع؟
الإختلاطُ والتلاقحُ الفكري مهمٌ جدّاً لكلِّ الناسِ وليسَ للمبدعينَ فقط ولكنها قليلةٌ جداً الانَ ، وأتذكرُ آخرَ مهرجانٍ دُعيتُ اليهِ كان في الكويتِ عام ٢٠٠٥ وكانَ مفيداً جداً حيثُ التقينا بمبدعينَ من كلِّ انحاءِ الوطنِ العربي ، اتمنى ان يعودَ الإستقرارُ ويعمَّ الأمنُ لنعودَ الى بعضٍ كعربٍ ونتباهى ببعضٍ ونعشقَ بعضاً.
*نود قراءتك لهذه الكلمات
الوطن – الام -الحريه؟
الوطنُ : اللونُ الأخضرُ.
الأم : اللونُ الأبيضُ.
الحريةُ : اللونُ الأزرقُ.
*نودعك بقصيده؟
أُريدُ الآنْ
أحْمِلُ كلَّ أمْتِعَتي
وأقلعُ كلَّ أحْـزِمَتي
وأهرُبُ دونَ تفكيرٍ ولا ميعادْ
إلى بغدادْ
إلامَ نعيشُ مقطوعينَ ؟
أجساداً بلا أرواحْ …
وأرواحاً بلا أجسادْ
إلامَ نظلُّ مُنْـقطِعينَ ؟
إلامَ نظلُّ أولاداً ؟
وفي المنفى تموتُ لأصلِها الأولادْ
يا بغدادْ
فكم مِنْ دجلةٍ في الكونْ ؟
وكم مِنْ نخلةٍ في الكَـوْنْ ؟
وكم لغَةً بهذا الكـَوْنِ فيها الضادْ ؟
وكم (ذي قارَ ) في الدنيا وكم بغدادْ ؟
لقد كبُرَتْ مسافاتي …
وأمْشِي مُرْغَماً فيها بمأساتي …
بساعاتي ..
بأشْعاري وأبياتي
لقدْ تـَعِبَتْ رئاتي مِنْ هواءٍ يجرَحُ الأكبادْ
يا بغدادْ
أنا في الأعظميَّةِ منذُ ساعاتٍ بلا ميعادْ
أُراقِبُ كلَّ مَنْ يمشي …
أُقـبّـِلُ كلَّ مَن يمْـشي …
أُقبِّـلُ كلَّ حيّ ٍ في شوارِعِها وكلَّ جَمادْ
أنا طولَ الفِراقِ أعيشُ في بغدادْ
أنا لو يسألونَ الناسُ عن حالي
فلا تتردّدي أنْ تشرَحي للناسِ تِرْحَالي
وقولي كانَ هذا الطائِرُ الخالي
بلا وطنٍ .. ولا حُـلـُمٍ .. ولا حُبٍّ ولا ريشٍ ولا أكنانْ
وقولي كانَ يا ما كانْ
في وقتٍ من الاوقاتْ …
وفي زمَنٍ من الأزمانْ
عصفورانْ
يُغرٍّدُ فيهـِما الإنسانْ
وكانا يَرفُضانِ عِبادَةَ الأوثانْ
فطارا ينشـُرانِ الحُبَّ في البُـلدانْ
عاشا قسْـوةَ المَنفى …
ولمّا زالتِ الأوثانْ
أتى العصفورُ يحْمِلُ همَّهُ ليطيرَ بالأحزانْ
رأى عصفورةً تهتزُّ مِثلَ الجَانْ
أتتْ مِنْ موطِنِ العصفورِ …
بالأنهارِ والأشـْجارِ والشـُطـآنْ
أحَبَّ جمالَ عيْنيْها المُشَرَّبَتَيْنِ بالألوانْ
أحَبّ بوَجْهـِها بغدادْ
أحَبّ َ بحُبِّـها الإنسانْ
وقرّرَ أنْ يعودَ الآنْ
ليَشـْرَحَ قِصّـةَ المَنْـفى
ويشرَحَ قِصّةَ العصفورِ والأوثانْ
وقولي أيّها العُصْـفورْ…
لقدْ أحبَبْتَ بغداداً …
وقدْ هاجَرتَ بغداداً …
وقد أحْبَبْتَ في بغدادْ
وقولي إنهُ قد عاشَ عمْراً دونما ميلادْ
بعيداً عن رُبَى بغدادْ
ولكنْ لم يَعِـشْ يوماً إلى أنْ عادْ إلى بغدادْ .
* كلمة أخيرة توجهها لمتابعيك من خلال شبكة الإعلام السعودي الاخباريه؟
كنتُ أتوقُ دائماً لأقولَ لكلِّ القراءِ وبكلِّ صدقٍ (أحبُّكم) و (أشكرُكم) على اهتمامِكم بي ، ولم أجدْ وسيلةً ثقةً أحمِّلُها حبي لكم كهذهِ الشبكةِ الإعلاميةِ الرائدةِ (شبكةِ الإعلامِ السعودي الإخباريةِ) التي أرجو اللهَ أن يجعلَها عاملةً لخيرِ هذهِ الأمةِ ومقبولةَ العملِ ، ولا يسعني الا ان اتقدم لها ولجميعِ العاملينَ بها بالشكرِ الجزيلِ لإتاحةِ هذهِ الفرصةِ لي ، تمنياتي لكم بالنجاحِ وللشعوبِ العربيةِ بالأمنِ والسلامِ.
ونحن نتقدم لك بخالص الشكر والعرفان على اتاحه الفرصه لنا وتلبيه دعوتنا لاجراء هذا الحوار الشيق معك دمت بخير والى اللقاء