نوشة – ش ا س
“يا إلهي ارجو ان يكون كل هذا حلما”
هذا ما ظللت اردده طوال يوم الزفاف فقد كنت اتمنى ان يكون كل هذا حلم لأصحو فأجد نفسي هانئة مرتاحة البال في كنف والديّ فقد كان شعورا غامضا بالقلق يتملكني لم اجد له تفسيرا رغم كل محاولاتي فتارة فسرته بانه فراقي لاهلي الذين تربيت بينهم وتارة انه بسبب إقبالي علي حياة جديدة لا اعلم ما ينتظرني فيها وتارة اخري بأنه بسبب تحولي من ابنة مدللة الي زوجة بكل مسئوليات هذا اللقب والتزاماته والذي يجب ان اؤديها علي خير وجه والا ما استحققت ان اكون زوجة
فكثيرة هيَ التفسيرات لكني لا أزال قلقة .
ها أنا اخيرا ارتدي فستاني الابيض، لم أطل النظر في المرآه فرغم روعة الفستان الا أني لم أكن راضية عن تصفيفة شعري كنت احاول أن شغل نفسي عن النظر بتأمل غرفة الفندق حينما دخلت المصورة علي عجل لتعيد الي بعض صوري التي كانت امي قد اعطتها اياها لتستخدمها في مونتاج فيديو الزفاف ثم غادرت الغرفة .
تأملت الصور وكأنني استعرض حياتي ففي الصورة الاولي كنت اتوسط اهلي بينما جدتي لأبي تقبل يدي الصغيرة كما اعتادت ان تفعل حتي اليوم رغم كل محاولاتي معها لأثنيها عن ذلك كانت الصورة قد التقطت في عيد ميلادي الاول ، تأملت وجوه اعمامي وعماتي وخالتي الوحيدة وانا اهمس “كم افتقد لمتكم حولي”. الصورة الثانيه كانت وانا ابلغ سبع سنوات وارتدي زي صنوايت حيث أتوسط أصدقائي الامريكيين في عيد الهالويين في الولايات المتحده الامريكية،تذكرت تلك الأيام وأنا اشعر بالحنين ،فعشر سنوات من طفولتي قضيتها هناك خلال دراسة والدي أختلطت فيها بأهلها وتعلمت في مدارسها ورأيت كيف يتعاملون برقي وصدق مما كان له اثر كبير في تكوين شخصيتي وجعلني اشعر بأنها بلدي الثاني الذي احن اليه دوما رغم زيارتنا لها كل عام بعد استقرارنا بجدة ( كم أحن لتلك الأيام) . الصورة الثالثة كان يوم نظمنا انا وأختي حفلا بسيطا للاحتفال بعد زواج والدي العشرون ، ألتقطت الصورة بينما كان ابي يقبلني وأمي تقبل اختي ونحن نحمل لهم الهدايا ، رفعت نظري للأعلي ودعوت ( يا رب أمدّ في أعمارهم وأحفظهم لنا) الصورة الاخيرة أظهر فيها وانا احتضن شهادتي الثانوية وعيني تشع بالفرح فالتخرج بنسبة ٩٨٪ هو أكثر مما كنت احلم به.
اسرعت بدس الصور في حقيبة والدتي وأنا اسمع طرقا خفيفا علي الباب حيث لم يلبث أن ظهر فارس من خلف الباب مبتسما متوجها الي وهو يقول : حبيبتي اخيرا سنتزوج ونكون معا الي الابد ، أبتسمت وانا أجيبه بشقاوتي التي يحبها : أخيرا لكن ارجو ان لا تغير رايك مستقبلا وتتركني،
وضع فارس يده علي فمي ممازحا وهو يقول : اعدك لن اتركك ما حييت . كانت أعيننا تفيض بالحب الذي تترجمه فرحتنا بهذا اليوم ، ورغم ذلك لم استطع ان اخفي ملامح القلق الذي ارتسم علي وجهي ليسألني فارس : هل أنتِ بخير؟
وقبل أن اجيبه كانت امي قد جاءت لتاخذنا الي القاعة .
كانت مراسم الزفاف عادية جداً
فقد فارس واهله قد تكفلو بإختيار القاعة وتنسيقها ورغم صدمتي بالالوان المتنافرة التي اختارها وكعكة الزفاف الخضراء الا أني تغاضيت عن ذلك فانا اعلم انه بذل اقصي جهده ليرضيني وقد تغلّلب حبي له علي اهتمامي بالتفاصيل وحبي للمثالية وحمدت الله انه كان قد ترك لي اختيار كل شي في منزل المستقبل .
أنتهى حفل الزفاف وأرتديت عباءتي استعدادا للمغادرة الي عش الزوجية لكني رأيته ينظر إلي بإمتعاض ثم ما لبث ان تحول امتعاضه الي صوت فيه شي من الحدّة وهو يقول : كيف ستخرجين بهذا المنظر؟ نظرت الي فستاني الابيض المنفوش الذي. لم تكفي العباية لتغطيته كاملا رغم كل محاولاتي ، نظرت اليه ببراءة وانا اسأله : هل تريد مني ان اذهب لتغييره ؟ فأجابني :لا لكن كان يجب ان تفكري في هذا مسبقا، هيا لنغادر .
تجنبا للمزيد من الامتعاض غطيت كامل وجهي و تبعته الي حيث السيارة المزينه بكل انواع الورود بعد ان ودعت اهلي وانا مغرقة بالحزن فكأن ألم فراق أهلي لم يكن كافيا ليضيف عليه فارس ألم محادثتي بهذه الطريقة في اولي ساعات زواجنا لكني حاولت ان اقنع نفسي بأني المخطئة اذ لم افكر بذلك مسبقاّ، سمعت فارس يطلب من عمي ان لا يتبعنا احد كموكب فهو لا يريد لفت الانظار ، ساعدني فارس بالصعود الي السياره ثم ما لبث أن نزع كل الزينة والورود عن السياره ليلقي بها جانبا. لم استطع ان اغالب دموعي اكثر ففرت من عيني بضع دمعات لتلوث فستاني الابيض بالسواد.
صعد فارس الي السيارة ليسود السكون لفترة حتي قطعه فارس ليخبرني كم هو سعيد بهذا اليوم وبوجودي الي جانبه وهو يعدني بكل سعادة الكون . جاريته فيما قال وأخبرته بسعادتي وحبي له وحمدت الله انه لا يستطيع رؤية عيني المسكونة بالدموع .
تري هل كنت مصيبة في اخفاء دموعي وجرحه لمشاعري؟
This site is protected by wp-copyrightpro.com