طعم البحر
10 يوليو 2021
0
104247

جلست قبالة الشاطئ أُحادث البحر وأستمع إلى أخباره..

حكى لي عن سكونه وهياجه، وأنه لا يكاد يستقر على حال، وأن ما بداخله من صراعات بين ساكني أعماقه لا تكاد تنتهي، وان البقاء دائما ما يكون للأقوى !

قال لي إنه لا يطيق طعم الملح، ولكنه مجبر على تسوغه يوماً بعد يوم إلى مالا نهاية..

تتلاطم أمواجه لتنكسر تارة على صخرة، أو تنحسر على رمال، وكأنها تصارع نفسها لتتلاشى في الفراغ..

أسر لي بأننا نرى منه الظاهر فقط وأننا لا ندري عن خفاياه، وأن اللون الأزرق الجميل الذي نراه إنما هو انعكاس السماء عليه وأنه مجرد ماء لا لون له وأن جوفه أظلم من سواد الليل..

سألته عن كنوزه النفيسة التي يتصارع عليها البشر وما تحمله من أساطير وأسرار، قال لي إن الكنز قيمته تكمن في عين صاحبه، وأن وجوده في الأعماق لا يعني شيئاً له أو لي، ولكنه يسمى كنزاً لأنه يستعصي على باحثه أن يجده، وقد يكلفه حياته وأنه ظل شاهداً على كثيرين ممن زهقت أرواحهم في باطنه !

وفجأة رمى لي بصدفة مموجة بديعة المنظر وقال انظري إليها.. ليس لها قيمة الآن لأنها باتت ملقاة على الشاطئ !

 

سألني ماذا تنتظرين؟

أجبت بأني أنتظر قرص الشمس ليأذن لي بالرحيل وهو يغوص في أعماقك وتتلون السماء بالألوان العجيبة التي لا تقدر ريشة فنان أن تمزجها مهما كانت براعته..

قال إن الشمس هي الشمس لا تغوص ولا تنطفئ أبداً، وأنها ستسطع بعد قليل على بحر آخر لتنير درب كائنات أخرى..

ثم سادت لحظة صمت..

لفحتني فيها نسمة عبير بحرية ممتزجة بطعم الملح ومتشبعة بأخبار وأشواق وأسرار كان البحر شاهداً عليها منذ الأزل..

قمت لأودعه، وأخذت نفساً طويلاً أغذي به روحي، وأنقش به في ذاكرتي أفراحه وآلامه ومغامراته، لعلي أجد فيه ما يسليني، ولأعود إليه كلما ضل بي الطريق فيعلمني الحكمة ويكشف لي أسرار الحياة..

 

د.ندا الزايدي

استشارية الطب النفسي


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com