مسترق السمع | وديع الغامدي
18 أغسطس 2017
2
187605
يولد الطفل مُحمّل بالطموح ، لكل خطوة جديدة سيخطوها ولكل طعم مُـرّاً كان أو حلواً سيستطعمه ، لا حدود له إلا عندما نرسُمها ، عندها سيتوقف الأمل لأنـه ببساطة .. فقد البراءة ، حينها ستتبعها الجراءة ويالها من خيبات تتبعها الويلات.
كم مّن ( لا ) ترددت على مسامعنا مازلنا نذكرها ؛ وعندها فقط يتعاظم الشعور الذي يُـغذّي تربية الممنوع في أنفُـسنا حتى يُـصبح ذلك الوحش الذي أذكر أنّ وجبته المفضلة تكمُن في مواجهة الجمهور ، فأراه يلتهم الأحرف من فمي ويزيد تعرّقي حتى أرى أنّي أغرقُ عرقاً ، وحين تكون خياراتي ما بين الصوابِ والخطأ .. أراه يظهر بعصاه السحرية لتتحول خياراتي أخطاءً ليخلّ توازني ويُـسقطني حين يُـفترض أن تكون وقفاتي شامخة .
سيذهب الممنوع يوماً ما .. وتبقى في أنفسنا رغباتٌ كُـنا نرددها ، ليس ورائها إلا براءتنا ، فقد مُنعنا دون ان نعرف المبررات ، فأصبحت أرواحنا تواقةً لما دون المجرات ، ولكنها تعجز من أن توقظنا من سباتنا ؛ فالأحلام لا تتحقق عندما تفسر لراويها و إنما الأعمال هي من تُـترجم قيمةَ باغيها.
حُذِّرنا ووقعنا وها نحنُ نحمل تلك الإسطوانة المشروخة لنكرّرها داعين ومُـدّعين أنّ تعليم الماضي هو المستقبل ، ومن يطالب بالماضي ؛حجّـته كم من منظرٍ مقززٍ وقع بين يديه ، فترحّـم على الماضي متناسياً أنّ لكلّ قاعدةٍ شواذ .
أطفالنا اليوم – على مستوى معلوماتي – أعلى حصيلةً منا بالأمس ، وما يواجهونه من طوفان المعلومات والتأثير العنكبوتي يُجبرنا بأن نؤجّرهم مسامعنا لكي ندرك مدى سلامة موقفهم ، ومتى تجب الحاجة لتدخُّـلِـنا ، وبين ذلك وذاك وجب علينا محاورتهم واقناعهم بتبعاتِ بعض الأُمور الصغيرة التي يجهلون عواقبها ، فتعليم اليوم يُـبنى بالحوارِ والاقناع .
وفّـر ما تقوله لي واترك لِـيَ الحجّـةَ والبيان وسأصبح ذلك الطفل المطيع في عينيك ، فطبيعتي البشرية تعشقُ الفضول ، وتقتات على همسات الكلمات بين تلك الجلسات ، التي تُبعدني عنها ولكنني أسترق فيها السمع لِأُدرك أن قدوتي يقول مالا يفعل . علّمني ولا تُـجبرني أن أتّـبع خطواتك.
فتح باب الحوار والشفافية في التعامل لجيلٍ يصنع الفخر لي غداً ؛أصبح مطلباً وعنصراً أساسياً في ظِـلّ تسابق المواقع الالكترونية لأخذ نصيب الأسد من وقت ابني وابنك.
وديع الغامدي wadeeaghamdi@